سُحُب

بعض الأيام تمر عادية، وبعضها تبدأ سعيدة ومبتهجة، وتنتهي كذلك. نستطيع التعامل مع الأيام العادية والسعيدة بسهولة، لكن تلك الأيام التي تكونين فيها منزعجة أو تشعرين بالضيق بدون سبب قوي! هكذا هي الحياة.

صليت الفجر، أيقظت الأولاد للمدرسة، ودعتهم واستلقيت على سريري. شعور بالضيق يلازمني منذ البارحة، لا يوجد سبب قوي لكن أطياف متناثرة هنا وهناك شكلت سحابة غائمة تظلل مشاعري وتفكيري. أمسكت بهاتفي وفتحت اليوتيوب، مقاطع قصيرة للشيخ الشعراوي يفسر فيها آيات من القرآن الكريم، ويسهب في الشرح والتفسير وذكر القصص، ليطبطب على روحك، ويرشدك بلطف لترمي حمولك على الله. توصلت إلى خلاصة مريحة لعقلي نوعًا ما واستسلمت للنوم، ولرب النوم.

صحوت على اتصال من عميل “غير لطيف”، لم أرد على الاتصال وذهبت للمطبخ أعد إفطارًا خفيفًا لي ولابنتي، لكن الانزعاج عاودني ولم أستطع التخلص منه حتى بعد إجراء الاتصال الذي لم يكن مزعجًا في حقيقته. أديت أعمالي ككل يوم، وبعد الغداء، الوقت الذي تنتهي فيه أعمالي المنزلية، شعرت أني بحاجة لعمل شيء يغير من حالتي، بحاجة للطبيعة، لشم هواء نقي، للتفاعل مع الطبيعة دون حواجز إسمنتية أو زجاجية، حتى لو كان ثمن ذلك التعرض للشمس الحارة وتحمل الحر واللزوجة والتعرق من رأسي لأخمص قدمي.

طلبت كريم، كان السائق غير عربي ولله الحمد، عندما وصل خرجت من المنزل لأركب السيارة، لكني تفاجأت من الجو، فهناك غيوم على غير العادة تغطي السماء، ليست سوداء لكنها أثارت رعبي بما يكفي. وصلت إلى بحر جدة وقد نويت أن أجعل السائق ينتظرني خمس دقائق ريثما أنعش رئتي بهواء البحر ثم أعود للبيت متنازلة عن خططي، لكن رؤية العوائل والأطفال يلعبون بابتهاج أزاحت قلقي، فرشت سجادتي وجلست أمام البحر. لطافة الجو كانت مفاجئة، والهواء يتلاعب بالأمواج فيجعلها تضرب الصخور مزمجرة بصوت مهيب. هنا عجبت من دلع ابن آدم، فنحن محاطون بالنعم من كل جانب، ونتضايق وننزعج بلا سبب يذكر، لدينا بيت وعائلة وأطفال، الماء والكهرباء لا ينقطعان إلا لمامًا، الطعام متوفر أشكال وألوان، والمكيف والإنترنت والصحبة الطيبة، ما الذي ينقصني كي أتضايق كل هذا الضيق؟ الحمد لله رب العالمين حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده في كل وقت وحين.

جلست في هدوء، تأملت البحر والأمواج في جلال، استنشقت الهواء بعمق وشكرت الله. أمسكت بدفتري وشرعت في الكتابة، عددت نعم الله امتنانًا، وفجأة تفتح خشمي على رائحة قهوة مهيّلة زكية منعشة، كانت العائلة التي بجانبي “تتقهوى” عصرية هذا اليوم الجميل من أيام أبريل. استمتعت بالرائحة والتفت لشأني حتى أذّن المغرب، صلى الرجال على سجادات المسجد المتنقل، وهي فكرة عظيمة بالمناسبة، جزى الله صاحبها والقائمين عليها خير الجزاء، وصليتُ أنا على سجادتي التي أحضرتُها معي. وخصصت الوقت التالي للتأمل.

بدأ الليل يغزو السماء، كان هناك يخت لخفر السواحل يجوب المكان ثم اختفى، فجأة ومض ضوء خلف شاليهات النورس القريبة، اعتقدته ضوء يخت خفر السواحل، حتى تكرر الوميض ولم يظهر أي أثر لليخت، هنا فهمت أن هذا الوميض ما هو إلا ضوء البرق قادمًا من وسط البحر. فقررتُ العودة قبل أن يشتد البرق ويضطرب الناس فأعلق هنا وحدي بعيدًا عن بيتي. طلبت كريم مرة أخرى وذهبت إلى إيكيا، فلم يكن ما برأسي قد انزاح بأكمله، جلست في إيكيا أكمل الكتابة، ثم تناولت وجبة خفيفة، خرجت بعدها أنوي الذهاب لسوبر ماركت الدانوب في الصيرفي مول مقابل إيكيا، تفاجأت ببعد المسافة التي استغرقت مني ربع الساعة مشيًا على الأقدام، لكن الرحلة كانت تستحق، فقد كنت أمشي وقطرات المطر تتساقط بخفة من حين لآخر، والهواء البارد المنعش يبدد ما تبقى من سحب خفيفة فوق رأسي. اشتريت مجلات وبعض الخضار الطازجة وصوص جديد أحببت أن أجربه في السلطة، ثم أتي زوجي ليقلني إلى البيت بعدما تبددت السحب عن آخرها، لينتهي اليوم، ويبدأ يوم جديد بروح جديدة.

4 رأي حول “سُحُب

اضافة لك

  1. جميل يومك ..

    كثير لم أحس أني مقيدة أو في ضيق أخرج للطبيعة وامشي .. هالشي كثير يغير النفسية .. نتشابه في أشياء كثيرة اتمنى بيوم نتقابل 🙂 سعيدة كثير لأني لقيت أحد من مدينتي الجميلة جدة ..

    إعجاب

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑