أنا لحبيبي

قلت: “لم أكتب في دفتري من يوم ولدت إلا مرة واحدة.” ثم سألتُها: “هل يجب علي أن أقلق؟” ضحكت وقالت في الأوضاع الطبيعية ربما، لكن الكتابة فعل ساحب للطاقة، وأنت الآن بحاجة للطاقة لا العكس.

عندما بدأتُ أخصص الوقت لنفسي، أصبح لدي دفتر. أتذكر زمان أهدتني أختي دفترًا غريب الشكل، أكبر من المعتاد، وبورق ناعم، وغلاف صنفته كلوحة فنية. وقعتُ في غرامه فورًا لكني لم أعرف ماذا أفعل بهذا الدفتر، فعهدي بالدفاتر قديم، أو حديث مع دفاتر أولادي المدرسية. احتفظتُ بالدفتر في مكان أمين دون أن أعرف ماذا أكتب فيه.

كانت دفاتري كلها للاستخدام المدرسي، ما عدا دفتر واحد كنت قد اشتريته بمبلغ لا بأس به، واستخدمته لمادة الإنجليزي، ثم بعد انتهاء العام الدراسي استخسرتُ رميه، فاستخدمته كما تستخدمه مطربات الأفراح؛ لكتابة الأغاني التي أحبها. كان هذا هو الدفتر الوحيد الذي أخذتُه لمنزل الزوجية واحتفظتُ به حتى حملتُ بولديّ التوأم. كان حملي، مُتعِبًا، ويبدو أنني مررتُ حينها بأزمة وجودية أخرى، إذ اعتقدتُ أنني سأموت، ووجدتُ أن احتفاظي بدفتر أغانٍ من المرحلة المتوسطة أمر سخيف وبلا معنى أو فائدة، فرميتُه في سلة القمامة السوداء فيما رميتُ من أغراض أخرى على سبيل التخفف. ونعم؛ لازلت نادمة لأنني رميته.

عندما قررتُ ممارسة الكتابة اليومية، لم أعرف ماذا أكتب. فبحثت وبحثت حتى وجدت مقالة تخبرني ماذا أكتب. تقول لي المقالة اكتبي يومياتك، اكتبي عن النعم التي أنتِ ممتنة لوجودها، وعن الأمور التي أنت بحاجة لتغييرها، فهي أداة علاجية، ما المناطق التي تشعرين أنك ضعيفة فيها، ما الإحباطات التي تمرين بها، اكتبي بصدق ووضوح كي تستعيدي تركيزك وتحددي أولوياتك. أكتبي عن أحلامك في الإطار الكبير، أو الصغير، أهدافك لعشر سنوات مقبلة أو للثلاثة أشهر أو الأسابيع القادمة. خططي للأسبوع القادم، وتأملي في الأسبوع الماضي، ما الأشياء التي قمتِ بها بطريقة ممتازة، وكيف تنوين الاستفادة مما تعلمتِه الأسبوع الماضي، سجلي الأحداث المهمة، واكتبي مهام محددة عليك القيام بها في الأسبوع القادم بما في ذلك روتينك الصباحي، التعلم، علاقات الأسرة أو العمل اللياقة البدنية أو قائمة الطعام. كنت أقضي وقتًا كبيرًا كي ألتقط أول الخيط، ثم عندما أكمل الكتابة أشعر بالإنجاز.

لا أحب عندما أفسد دفاتري بكتابة أشياء لا تناسبها، فهذا يجعلني أزهد في الدفتر. في مرة حضرتُ لقاء لإحدى المدونات الشهيرات، كنت أتطلع لهذا اللقاء، فقد توقعتُ أن يحمل لي متعة وفائدة تعبي التانكي . اخترتُ دفترًا أحبه أزرق اللون، مرسوم عليه معالم شهيرة لمدينة لندن، وبدأتُ أكتب فيه ما ظننتُ أنه مهم في اللقاء. عدتُ إلى البيت وبداخلي إحساس غير جيد أنني أهدرتُ وقتي (ودفتري) عبثًا. منذ ذلك الوقت وأنا أنفر من دفتري الذي كنتُ أحبه، حتى قررتُ إزالة الصفحات المتعلقة بذلك اللقاء، فعاد دفتري المحبوب بعد أن افتقدتُه عدة أشهر.

اليوم لدي دفتر للأشياء التي أتعلم منها في تطوير حياتي، ودفتر لبودكاست رفاق، ودفتر اليوميات (الذي لم أكتب فيه منذ 8 أشهر)، ودفتر للأحاديث المهمة التي تتعلق بالمستقبل، ودفتر (أرهب أفكار في العالم) الذي أهدتني إياه ابنتي وأنا حامل ولم أكتب فيه بعد، ومجموعة دفاتر بنفس اللون والشكل أحدثها باستمرار، وتحتوي على الأشياء المهمة التي أحتاجها في عملي.

في رمضان، بدأتُ ترتيب مكتبتي المكتظة بالكتب والدفاتر القديمة. وقررتُ أنني سأرمي كل الدفاتر والأوراق التي كتبتُ عليها مشاريع سابقة أو ملاحظات قديمة لن أحتاجها. وبينما أنا منشغلة بالدفاتر الممتلئة حتى آخرها وجدتُ الدفتر الذي أهدتني إياه أختي. لم أكتب فيه سوى خمس صفحات كلها عن العمل وعن أفكار لبرامج وإعلانات. أما الصفحة السادسة، فقد وجدتُ ما يبدو أنه محاولة مني لجعل الدفتر محبوبًا من جديد:

أنا لحبيبي وحبيبي إلي

ياعصفورة بيضا لا بقى تسألي

لا يعتب حدا ولا يزعل حدا

أنا لحبيبي وحبيبي إلي

ها انا الآن أقطع الصفحات الخمس الأولى من دفتري المحبوب، لأبدأ صفحات جديدة، بلا زعل فيها، وبلا عتاب، ويا شمس المحبة حكايتنا اغزلي.

أغنية أنا لحبيبي – فيروز

رأيان حول “أنا لحبيبي

اضافة لك

  1. تدوينة لطيفة
    غندما بدأت التدوين، إكتشفت أنني وقعت في غرام أغلفة الدفاتر والأجندة، ونادرا ما أكتب فيها أي شيء، وعندما تابعت بعض المدونات في وسائل التواصل الإجتماعية إكتشفت أن تجميع الأجندة والدفاتر مشكلة يعاني منها الأغلبية، بعضهم يراها نعمة والآخرين نقمة، لكن الأفضل اننا نجد فيها أشياء ترتبط بنا بذكريات قد لا تعجبنا الآن إلا أنها تدل على أننا فعلا قد نضجنا 🙂

    Liked by 1 person

    1. “نجد فيها أشياء ترتبط بذكريات قد لا تعجبنا الآن إلا أنها تدل على أننا فعلا قد نضجنا”.
      💕💕 شكرا شاي بالنعناع. بالمناسبة اسمك حلو ومنعش🌾🌷

      إعجاب

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑