يا طبيب!

نمت جيدًا لكنني لازلت أشعر بالنعاس، وبألم بسيط في قدمي. حاولت أخذ قيلولة لكن ابني أرسل لي أنه يود مكالمتي، ففتحت انستجرام لأستقبل مكالمته. كان يشعر بالحبور الهادئ، فقد استدعاه أحد أساتذته هو وأحد زملائه وأخذ يثني عليهما أمام عميد الكلية والأساتذة المتواجدين، ورشحهما لحضور أحد التطبيقات العملية خارج الجامعة، هنأتُه على الفرصة وفرحت لفرحه. ثم داهمني الوقت فنهضت لأحمم الصغيرة استعدادًا للمدرسة. وبعد أن أوصلتُها طلبتُ من السائق أن يذهب بي للطبيب.

“إذا قال لي أن سبب الألم هو الوزن الزائد فسأعرف أنه لا يفهم”. فكرت بيني وبين نفسي قبل أن ينادى اسمي لدخول العيادة. وما أن نادتني الممرضة حتى سارعتُ بالنهوض.

طرقتُ الباب ودخلت، فإذا به جالس على مقعد الطبيب، قد تجاوز الستين من عمره كما يبدو، فحص قدمي بسرعة بعد عدة أسئلة عما أشكو منه، ثم طلب مني إجراء أشعة لقدمي. عدتُ إليه بعد إجرائها فعاينها على جهاز الكمبيوتر أمامه، وعندما لم يعرف السبب بدأ المحاضرة: يجب أن تمارسي الرياضة وتخففي وزنك، إنني دائمًا ما أنصح مراجعي العيادة بإجراء عملية تكميم للمعدة، أو باستخدام إبر لخسارة الوزن. أتدرين أنني أقوم بإجراء عملية تغيير المفاصل مرتين في الأسبوع؟ وأكثر ما يزورني في العيادة هم في سن الثامنة والأربعين وحولها؟ لازلتِ في المنطقة الآمنة لكن هل ستتحملين ألم تغيير المفاصل عندما تصلين إلى الخمسين؟ ثم كتب لي مسكنًا للألم، وقال هذا هو كل ما أستطيع فعله.

ورغم اقتناعي بما أوردته في بداية التدوينة إلا أنني ركبت السيارة واجمة، وعازمة على الذهاب لمشاهدة فيلم “آخر سهرة على طريق ر” أملًا في تغيير المزاج “المعصود”. وصلت المول وصعدت إلى ساحة المطاعم، لم أكن قد تناولتُ غدائي بعد، فدخلتُ المصلى لأصلي العشاء، ثم عدتُ لأشتري ساندويش شاورما، لم أجد سوى مطعم واحد يقدم الشاورما، ورغم أنني جربته من قبل ووجدت شاورمتهم لذيذة إلا أن ما أتذكره هو بخل صاحبه، فقد كان الساندويتش شبه خالٍ إلا من قليل من اللحم موزع على الخبز. طلبت ساندويتش وقلت للمحاسب أنني سأشتري منهم رغم أنهم بخيلين، فأجابني بصدق: جدًا! قلت له أن البخل يمحق البركة، فقال أنه يعلم ذلك لكن مدير المطعم وضع كمية محددة من اللحم لكل ساندويش، وأنه يحسب كل ليلة عدد الساندويتشات التي بيعت ويقارنها بالكمية المتبقية من اللحم، وفي النهاية يتم رمي المتبقي من اللحم لأنه سيفسد إن بقي لليوم الثاني! ثم طلب من المعلم أن يتوصى بالساندويش الذي طلبته، وفعلا وجدت كمية اللحم فيه كافية، وبينما كنتُ أتناوله فكرتُ بكلام الطبيب وكأنني كنتُ أخزيه، أعجبني ذلك بيني وبين نفسي وأكملتُ وجبتي وأنا أدندن مستمتعة: ” ياطبيب هات السماعة، ياطبيب يا طبيب”، ما إن انتهيت حتى كاد الفيلم أن يبدأ، فمضيت إلى قاعة السينما وأخذت مكاني، كان الفيلم للكبار، وأول ما لفتني فيه هو اسم الجهة المنتجة: الحوش برودكشنز!

كان الفيلم مسلي وممتع، وفي البداية وفي أوقات كثير بعدها كان إحساسي يقول أن الأحداث تدور في حقبة التسعينات أو قبلها، لكن تأتي لقطات تذكرني أن الفيلم تدور أحداثه في أيامنا هذه. يقول أبو معجب أشياء كثيرة حكيمة، هي فاكهة الفيلم، لكن لم يلصق بذاكرتي شيء منها. وسيلفر، الذي علمت أنه رحل إلى ربه في الحقيقة، رحمه الله، أدى أداءً عظيمًا، لدرجة عجزتُ أن أتخيل معها شخصيته في الواقع، وأعتقد أنها لن تكون مختلفة عن الفيلم. هناك أوقات تتجاوز اللقطة أو الحوار فيها الحدود المقبولة، وهناك أوقات فقدت فيها الإحساس بعامل الزمن، فكانت الليلة أطول من الليالي العادية بمشاوير الباص وسهرات الليل وطلبات الزبائن التي لا أدري كيف وسعتها ليلة واحدة، كما أن مشاهد طريق الملك والأبراج المتلألئة ومجسم السيارات والبنات السافرات، يتصادم مع مشاهد البلد ومركز الكورنيش التجاري وسوق البدو، وباب شريف إن (Bab Shareef Inn).

هناك بعض المبالغات، لكن اللفتات الصغيرة التي تعيدني للحياة الواقعية والتي تصدمني بعضها لمست مناطق عميقة.

ودانة علم دانة

احطك في قلبي وأقفله قفلين

كولا بنت سالمين، كانت تغني أغاني نعرفها ونحبها، في لقطات طربية قديمة تدخلنا الجو، وقد أحسن المخرج بتوظيفها في أماكنها بدون حشو أو تطويل. كان الفيلم سلسلة من المتناقضات، والمتناقضات تكون جذابة عندما توظف جيدًا. لذا إن قررت مشاهدته فاستمتع ولا تتوقف عند الملاحظات البسيطة، فالتجربة من وجهة نظري تستحق وقتك. عندما قال محمد أن نفسه تراوده لمشاهدة الفيلم للمرة الثالثة، فكرت أنني اكتفيت منه، لكنني اليوم عندما صادفتني بعض المشاهد فكرت أنه لا بأس إن شاهدته مرة أخرى مع رفيقة، وعندها سأجتهد في كتابة ما يقوله أبو معجب، نجم البحري، متعهد الحفلات، وصاحب نجم للصوتيات، حارس الدانة، وملك سهرات جدة ولياليها.

رابط الإعلان عن الفيلم:

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑