بيت صغير زي بيوت ماردين من فضلك!

تعرفتُ حديثاً على مدينة ماردين التركية من مسلسل المدينة البعيدة (التركي)، وفتنتني بيوتها وقصورها بجمال عمارتها المميزة، فهي تشبه العمارة اليونانية الحجرية البيضاء ذات النوافذ الزرقاء المطلة على البحر المتوسط، لكنها تختلف في لون حجارتها المائل للون الرمال الذهبية والواقعة على التلال المطلة على سهول نهري دجلة والفرات.

قرأتُ عن المدينة فعرفتُ أنها أحد أقاليم الشمال السوري التي كانت تحت الحكم العثماني لبلاد الشام، ومن قبل كانت تحت حكم الأراتقة الذين انضموا إلى الزنكيين في حملاتهم ضد الصليبيين، ثم إلى صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين التي استعاد المسلمون بها بيت المقدس.

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى قُسِّمت تركيا إلى أربع مناطق تسيطر عليها جيوش أربع دول، وبعد إعلان مصطفى كمال إلغاء السلطنة، أبرمت اتفاقية لوزان كمعاهدة سلام بين تركيا ودول الاحتلال، وانضمت ماردين إلى تركيا بموجب المعاهدة عام 1923م. لذلك ليس من المستغرب أن يكون نصف سكانها تقريبًا من العرب، ويتحدثون اللغة العربية، أما عمارتها فهي أقرب الشبه إلى مدينة القدس القديمة بمبانيها الحجرية وأسواقها وأزقتها ومآذنها الشاهقة، إذ ينتسب حكامها إلى أرتق بن كاسب حاكم القدس من طرف السلاجقة، ومنه جاء الأراتقة الذين حكموا جنوب شرق الأناضول وشمال الجزيرة الفراتية.

تقع ماردين على تلة تطل على نهر دجلة وسهول ما بين النهرين، وهي تعني (القلعة ) باللغة الآرامية، وموقعها جعلها محط أطماع جميع الإمبراطوريات الكبرى، يقول ابن بطوطة في كتابه “”وصلنا إلى مدينة ماردين، وهي مدينة عظيمة في سفح جبل من أحسن مدن الإسلام وأبدعها وأتقنها وأحسنها أسواقا، وبها تصنع الثياب المنسوبة إليها من الصوف المعروف بالمرعز (أي شعر الماعز)، ولها قلعة شمّاء من مشاهير القلاع في قنّة (قمة) جبلها”.

أحب التصاميم التقليدية للمجوهرات الفضية أكثر من التصاميم الحديثة، وأزور متاجر (فايندرا) التي تبيع هذا النوع من التصاميم باستمرار، خاصة لشراء الهدايا لنفسي أو لمن أحب، لذا لفتت نظري المجوهرات التي تلبسها السيدات في المسلسل، حيث تعتبر ماردين مركزًا لصناعة الفضة التقليدية، وتسمى المجوهرات التقليدية ذات النقوش التي تتميز بها “تلكاري“، وقد وجدت هذا الحساب على انستجرام يبيع المجوهرات التقليدية التي يلبسها الممثلين في المسلسل مثل إسورة جيهان الفضية، وحلق أخته ناره ووالدته صداقات هانم 🙂

وبيوت ماردين التي سحرتني فتستخدم الحجر كمادة بناء رئيسية، سألت ابني الذي لازال يدرس الهندسة فقال لي أنهم يبنون الأساسات بالحديد والخرسانة ثم يستخدمون الحجر الجيري الأصفر للبلاط والجدران داخليًا وخارجيًا، وأن هذا النوع من الطوب الحجري يحتوي على نسبة أعلى من أكسيد الحديد، وهو مقاوم للحرارة والبرودة الشديدة والمطر، ولا يتأثر بالرطوبة العالية، لكنه أعلى تكلفة من الطوب العادي.

أما التصميم فيتكون من غرف وإيوان، الغرف معروفة، لكنها مصممة بحيث تبرز المقاعد من حوائطها، وتوضع فوقها الوسائد الملونة، أما الدواليب فتدمج بداخل الحائط مع استخدام الأبواب الخشبية المنقوشة.

ونأتي لأبرز ما يميزها وهو الإيوان أو القاعة الرئيسية في مدخل البيت، وعادة ما تكون مقببة، ومحاطة بالجدران أو الغرف من ثلاث جهات، مع واجهة مفتوحة بالكامل من ناحية مدخل البيت، وعادة ما تكون مزينة بالخط العربي، والبلاط المزجج، والتصاميم الهندسية على الطراز الإسلامي، فيدخل الضوء بوفرة مع سعة المساحة الزجاجية في الواجهة.

وهذه الواجهة يقابلها فناء صغير تقدر مساحته ب5*7 أو أكبر قليلاً بحسب مساحة البيت، هذا الفناء مع مدخل البيت يكون مرتفعًا عن الطريق بمقدار طابق أو طابقين، ويتم الصعود إلبه بدرج حجرية كذلك، ولا يتجاوز ارتفاع سور الفناء طول الإنسان الطبيعي، فيوفر إطلاله رائعة وخصوصية وإحساس بالرحابة والوسع، مع أُصص الزرع والمساند الملونة ذات النقوش التقليدية.

أحتاج بيت زي بيوت ماردين حالاً.

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑