أرسل لي والدي مقاله الأسبوعي في صحيفة البلاد. وقد أخذني فيه إلى أيام المدرسة، ثم الجامعة، ثم تلك الفترة التي تعرّف فيه والدي على العم صالح باقلاقل، رحمه الله، والذي أصبح من أعز أصدقائه لدرجة أنه أقنع والدي بأن البيبسي لا بأس فيه، إذ كان والدي لا يحب البيبسي وأظن أنه لم يجربه أبدًا، وكان يعتب علينا ويحذرنا من هذا المشروب الأسود المضر بالصحة. لكنه وبفضل الدكتور في الفقه (العم صالح)، وتحت حكم الصداقة، أصبح البيبسي شرابًا مقبولا، بل ومرغوبًا أحيانًا.
كان المقال بعنوان “درجات“، وقد ذكرني بسؤالي لوالدي ذات مرة: لماذا يتفاوت الناس في النسب فيحمل بعضهم نسبًا شريفًا، ويحمل البعض الآخر نسبًا أقل شرفًا؟ فأجابني أن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء، فكما فضل بعض الناس بالمال، أو الجمال، أو الصيت الحسن، فقد فضّل بعضهم بالنسب، وهذا كله من فضل الله، وهي تفاضلات دنيوية، إذ لا فضل لعربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
بعد أن أتممتُ قراءة المقال بدمعة شجن ترقرقت في عيني، أرسلتُ لوالدي رسالة أهنئه على مقاله، وقلتُ له لكنك نسيت الدرجات التي تعطيها خالة مريم للناس، فهي توزع الدرجات (من عشرة) في المناسبات العائلية على سيدات العائلة وبناتها، فمن أحسنت التزين واختيار ملابسها بشكل واضح تحصل على الدرجة كاملة، ولا تتبرع بإعطاء درجة (الصُّفر) التي تضم الصاد فيها إلا عندما نأخذ رأيها في شيء نعلم يقينًا أنه لم ينل إعجابها، فنضحك كلنا دون أن نعتب أو نأخذ على خاطرنا.
في إحدى المرات التي اجتمعنا فيها في بيتي تحدثت ابنة عم والدتي عن حنقها من تأخر أخواتها وبناتهن عندما تكون هناك دعوة لفرح أو سهرة ما، وتشعب الحديث وأدلت كل واحدة منا بدلوها حتى قلتُ أن ابنتي تتأخر كذلك، فأوقفتنا خالة مريم وقالت بكل ثقة: هل تعرفون خديجة ليش تتأخر؟ قلنا: ليش؟، قالت لأنها دائمًا تلبس أحسن وحدة! فضحكنا جميعًا على تعزيزها الذي يظهر بوضوح تجاه الأشخاص الذين تحبهم عيانًا بيانًا دون تورية أو مواربة.
رمضان كريم علينا جميعًا، وأسأل الله أن يبارك لنا ولكم في أوقاتنا، ويعلي درجاتنا في الدنيا والآخرة.

أضف تعليق