هل طقوس المبدعين موضوع مثير؟
بالنسبة لي ليس مثيرًا إلا إذا كان المبدع شخص أحب أعماله، أو إذا حبيت هذه الطقوس.
قبل أيام طُلب مني العمل على عدة مواضيع قصيرة في نفس الوقت، أفكاري السابقة تقول لي أن الأمر جنون، لكني قررت التجربة وتحدي توجهاتي وأفكاري. لم تكن النتائج جبّارة، لكنها أظهرت لي أن الأمر ممكن.
تذكرت سيث غودين الذي يكتب يوميًا في مدونته، وهو كاتب ومفكر مختص بالتسويق وريادة الأعمال، صحيح أن تدويناته أحيانًا لا تتجاوز 20 كلمة، لكنه يكتب يوميًا ولو فكرة واحدة خطرت بباله. يبدو الأمر أسهل لو فكرنا فيه بهذه الطريقة، المهم القيمة وليس الحجم.
قبل أسابيع قررتُ تغيير طلاء الجدران في غرفتي، لم يكن الأمر ملحًا ولكنني ذهبت مع أختي إلى متجر دهانات الجزيرة، وقد وضعوا حامل لعرض الألوان الجديدة لهذا العام، الحامل الخشبي مقسم إلى جيوب بلاستيكية، كل واحد منها به بطاقة باللون المقترح، مكتوب اسم اللون أسفل البطاقة، وإذا قلبتها تجد صورة لغرفة حقيقية تُظهر شكل الطلاء مع الأثاث. هذه العناية والتنوع في الألوان وتجسيد اللون نفسه على أرض الواقع كان له أكبر الأثر في تحفيزي، لم تكن فكرة طلاء غرفتي مطروحة من الأساس، لكنها تعشّشت في مخي تلك الليلة.
ساعدتُ أختي في تحديد اللون الذي تريد، واحتفظت ببطاقة لوني في حقيبتي. وما هي أيام حتى تمّ الأمر.
اليوم اطلعتُ على مقالة من فاست كومباني تتحدث عن الطقوس الغريبة للمبدعين، لم تؤثر فيّ كما هو متوقع، لكن في خاتمتها ذكرت الكاتبة كتابًا بعنوان “الطقوس اليومية” لماسون كوري، جعلني أسأل “كعبول” عن أبرز الطقوس الموجودة فيه. وكعبول هو الاسم الذي اتفقنا أنا وأختي لإطلاقه على الذكاء الصناعي، ورغم أن مصداقيته عندي ضعيفة إلا أنني سأستعير أحد الأمثلة التي لفتت نظري ولخصت طقوس المبدعين، وهي للروائي الياباني هاروكي موراكامي حيث أنه يبدأ الكتابة في الرابعة صباحًا ولست ساعات متواصلة، ثم يذهب للركض مسافة 10 كيلومترات أو يسبح ل1500 متر. وبعد الظهيرة يقرأ أو يستمع للموسيقى ثم ينام في التاسعة.
وهكذا طقوس معظم المبدعين باختصار: الاستيقاظ مبكرًا وبدء العمل، ثم تصفية الذهن، تأتي بعدها إدخال المدخلات، ثم الخلود للنوم.
في إحدى تدوينات سيث جودين بعنوان “خمسة أسئلة مفيدة” يقول أن أي شيء في الحياة يمكن اعتباره كمشروع، وأول شيء تسأله لنفسك هو:
” ما هو الجزء الصعب؟”
ما هو جسرك أو جبلك أو بحرك؟
هل هي الخطوة الأولى (مجازيًا أو فعليًا)؟ أو إيجاد فكرة جديدة؟ أو تنفيذ فكرة ما؟ كل شيء نقوم به في الحياة فيه جزء صعب بالنسبة لك، أو جزء لو أنجزته لهانت عليك بقية الأجزاء.
إذا حددت الجزء الأصعب الذي لا تحبه، فستكون قسمت العمل إلى أجزاء، تبدأ بالجزء “الغثيث” حتى تنتهي منه وترتاح، بعدها سيصبح الطريق سهلاً ممتدًا أمامك. فكما يُقال: العقبة هي الطريق.
عندما اتفقتُ مع العامل الذي سيطلي لي الغرفة قال أنه لا داعي لتفريغ الدواليب، لأنه سيقوم بسحبها فقط، لكنه عندما بدأ العمل فعليًا قال أنه يجب تفريغ الدولاب وإلا انكسر أثناء سحبهم له، عندها فكرت بتغيير رأيي لكنني وجدته قد بدأ بتحريك بقية الأثاث، ولم يتبق سوى الدولاب، فاضطررتُ مرغمة أن أفرغ الدواليب في نفس اليوم ليبدأ العمل في اليوم التالي. كانت تلك العقبة الأكبر بالنسبة لي، فلو أخبرني من البداية لما كنتُ قد اتفقتُ معه وأنجزتُ الأمر بهذه السرعة!
طلبتُ من العامل أن يترك المتبقي من الطلاء لأنني أريد استخدامه في أشياء أخرى، ولما أردتُ تخزينه في مكان آمن انتبهتُ أنه من علامة تجارية أخرى غير دهانات الجزيرة، في البداية غضبتُ من العامل الذي خدعني، ولم أعرف هل أخبره بذلك أم أتغاضى ولا أتعامل معه مرة أخرى؟
فكرت أنه ربما لم يعلم أن هذا غش، وأنه بدل أن يكسب مائة ريال (أقل أو أكثر) ربما يكسب إثمها، لكنني قررتُ أن أترك الأمر، فلا أهدر طاقتي في سماع تبريرات أنا في غنىً عنها.
أخذت غرفتي أيامًا حتى أعدتُ ترتيبها، وأيامًا أخرى حتى استطعتُ العودة لروتيني الطبيعي. كانت إعادة تشغيل الكمبيوتر لحظة تحرُّر، فأنت لا تدرك القيمة الحقيقية للشيء الموجود عندك حتى تفقده.
لن أستيقظ مبكرًا مثل المبدعين العظماء، لكنني سأعمل بعد الظهيرة، وهو الوقت الذي يروق لي العمل فيه، وتصفية الذهن تساهم فيه بعض الأعمال المنزلية، أما إدخال المدخلات ففي فترة الصباح أو بعد الغداء. ولا أقلل من أثر الفضول، إذ أن الأسئلة التي تطرأ بذهني تفتح لي أبوابًا أوسع، وتجعلني أرحّب بألوان جديدة في حياتي.

أضف تعليق