ما الشيء الأكثر متعة من سماع أغنية تحبها وتطرب لألحانها؟
الرقص!
أن ترقص عليها، أو أن ترى أحدًا (فنان) يرقص عليها. ليس يرقص فقط؛ وإنما مستمتع بالرقص.
في أحد الأيام كان لدي اجتماع هاتفي مع الرئيس التنفيذي لمجموعة كبرى، كانت تلك هي المكالمة الأولى لكي يتعرف عليّ ويوضح لي العمل المطلوب مني.
لم يكن هناك أي برزنتيشن يجب علي تقديمه، ولم أنجز العمل بعد كي يتم تقييمه، لكنني وقبل دقائق قليلة من المكالمة كنت متوترة!
سألتُ نفسي لماذا أنت متوترة هكذا؟ ولم أجد سببًا. لكنني علمت أنني بحاجة لأي شيء يخفف عني هذا التوتر بسرعة. وهنا تذكرتُ مقطعًا لبطل مسلسل المدينة البعيدة وهو يرقص على أغنية “مزيان واعر”، طبعا الفيديو مركّب من أحد مسلسلاته القديمة، لكنه متقن ومثير للإعجاب، وطريقة جيهان –أوزان أكبابا- واستمتاعه بالرقص يجعلني أبتسم كالبلهاء. وفورًا شغلت الفيديو الذي جعلني أستبدل التوتر بشعور آخر تمامًا وهو الاستمتاع الخالص.
حدثتني قريبتي عن إحدى الإجازات التي قضتها في مصر، فقالت أن الجدة “فلانة” -رحمها الله، كانت قد سجلت أغنية “يازين اللي احضرت” لراشد الماجد في كاسيت كامل على الوجهين، ولمن لا يعرف فقد كان الوجه الواحد للكاسيت يحمل 4 إلى 5 أغانٍ، يعني أن جدتنا سجلت الأغنية 10 مرات تقريبًا وتجعل الشريط يدور وتأمر البنات (حفيداتها) بالرقص على الأغنية بينما هي تخيط أحد الأغراض أو الثياب. وطوال فترة الصيف كلما عنّ لها الأمر طلبت منهم تشغيل الكاسيت والرقص على الأغنية ويا ويل اللي ترفض. لقد تعبت من مجرد كتابة القصة فما بالكم لو كنتُ معهم!
في أحد حفلات فرقة ميامي الكويتية قبل أشهر، تضمن العرض فتاة ترقص السامري، وهنا اشتعلت الشبكات الاجتماعية بالإعجاب بالرقصة أولاً، ثم بالخلاف حول أصلها، منهم من يقول سعودية، ومنهم يقول أنها رقصة كويتية قديمة، بينما قيل أن هذه الرقصة منتشرة في الجزيرة العربية بأكملها منذ أكثر من 200 عام. لكن الخلاف ليس موضوعنا، موضوعنا هو أن رقصة تقليدية قديمة لدقائق قليلة تحصد إعجابًا واسعًا بسبب إتقان صاحبتها.
تقول “مستورة”* أن أصل فكرة الرقص هي المغازلة بين (امرأة ورجل)، وأن جودة الأداء -بعد الانسجام مع الموسيقى- تعتمد على جودة أداء كل واحد منهما لدوره. وحتى لو كانت بين امرأتين، فإن حركات الراقصين يجب أن تراعي “فكرة المغازلة” في الأساس. ويظهر ذلك جليًا في تسجيلات الفيديو القديمة للفنانين في الكويت واليمن الجنوبي، خاصة أغاني فيصل علوي حيث يكون الرقص بين رجل وامرأة كلٌّ منهم يعرف كيف يؤدي دوره.
لم أكن أستمتع بالرقص الشرقي بسبب الزي المعروف للرقاصات، لكنني أتجاوز ذلك أحيانًا، أما الراقصات المحترفات في المناسبات من الحضور فأحب أن أتابع أداءهن وخطواتهن المتناغمة مع الإيقاعات، والفقرة الممتعة التي تلفت أنظار القاعة ككل هي وجود راقصتين تجيدان الرقص ومنسجمات مع بعضهن في الأداء والحركة. ليس شرطًا أن تجيد الرقص لكي تميز الانسجام والإتقان بين الراقصين، أما جمال المناسبة فتكمن في تفاعل الحاضرين وتشجيعهن وحماسهن للمؤدين سواء للمطربة أو للراقصين. وفي بعض المناسبات يتنافس أهل العريس وأهل العروسة في إحياء الليلة، وتكون الغلبة للمتفاعلين بشكل أكثر، ويؤثر في ذلك كثرة العدد بالطبع.
ما أعرفه عن الرقص هو أنه أحد أشكال التعبير الإنساني، فمنذ مئات أو آلاف السنين اعتادت القبائل البدائية الرقص في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية وفي بلاط الملوك للترفيه عنهم. وعلى مرّ السنين تطور الرقص الشعبي على الألحان التقليدية ليصبح فنّا له مدارس متعددة، وتحكمه قواعد متعارف عليها ويدرسه أساتذة متخصصون في كل نوع منه في جميع أنحاء العالم. أما في المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف وغيرها فيكون الراقصون بشكل رئيسي من أصحاب الفرح والمدعوين، وفي بعضها يتم الاتفاق مع راقصة محترفة (أو فريق من الراقصات) ليؤدوا فقرات استعراضية تثري الحفل وتسلّي جمهور الحاضرين.
تحدثني “مستورة”* عن أحد خططها بعد دخول الجنة -إن شاء الله- فتقول: في الجنة سأجعل البنات يجتمعن ويرقصن أمامي وأنا أتفرج عليهن، سأكون هارون الرشيد في الجنة، بس بنت.
أحببت الخطة لكنني سأضيف بعض العناصر الأخرى للمجموعة. فليستعدوا.
*مستورة اسم تستخدمه هلا الجريّد للإشارة لصديقة أو قريبة لها، بمعنى فلانة. عجبني وحبيت أستخدمه.
*عنوان التدوينة مأخوذ من أغنية “اضحك” لحمود الخضر.

أضف تعليق