ايش فايدة؟

ما الفائدة من كتابة تدوينات هي ليست أبحاث تضيف إلى المعرفة الإنسانية وليست روايات مثيرة؟

سؤال “ما الفائدة؟” عميق، إذا كان الغرض منه إيجاد إجابة لا مجرد استفهام مجازي الغرض منه التعجب أو الاستهجان، كسؤال سائق صديقة ابنتي عندما تطلب منه الانطلاق للبحر فيقول لها: “ايش فايدة؟”.

أحيانًا يداهمني هذا السؤال، أتجاهله، لأنني أعرف أن كتابة التدوينات مفيدة ولا أود أن أعطي نفسي مجالاً للجدل. وقبل مدة سألتني ابنتي نفس السؤال: ما الفائدة من كتابة التدوينات؟ والذي أتى بالتزامن مع مداهمة السؤال لي، ففكرتُ قليلاً ثم انشغلتُ بأشياء أخرى، ثم لاحظتُ شيئًا أثار اهتمامي، وهو أنك عندما تقرأ تدوينة شخصية تستطيع التمييز إذا ما كان كاتبها رجل أم امرأة، إذ أن معظم كتابات الذكور تكون بأسلوب تحليلي عملي ومباشر، وتتحدث عن مواضيع عامة بحسب اهتمامات الشخص مثل الأعمال أو التسويق أو الألعاب أو البرمجة أو الزراعة، وحتى تلك التي تحكي قصة شخصية فغالبًا ما تحكي الأحداث بهدف الفهم أو التعلم، بدون أن تخوض في المشاعر الداخلية لصاحبها.

أما تدويناتنا نحن، فتغلبها العاطفة والشعور، وحتى الأحداث فيها تكتب بأسلوب وجداني محورها الذات والعلاقات والهوية ودافعها المشاركة أو الفضفضة. والشيء الآخر الذي لاحظته أن طريقتي في الكتابة اختلفت عما قبل، لا أعرف كيف لكنني بتُّ أفتقد أسلوبي القديم السلس، وطريقة التفكير غير المعقدة، ولا أعرف هل لاحظ متابعي المدونة ذلك أم هي ملاحظة شخصية فقط.

وبالعودة للسؤال الذي سأجيب عليه من وجهة نظري الشخصية، فأنا أشعر عندما أنشر تدوينة أن يومي كان منتِجًا لم يمضي هباءً، وأنني أنجزتُ شيئًا ذي قيمة، وأنني فعّلتُ دوري في مجتمع المدونين بغض النظر عن مستوى رضاي عن جودة العمل.

وأحيانًا أكتب شيئًا ينالُ رضاي التام، هنا يتحسّن مزاجي ليس بسبب الإنتاجية، وإنما بسبب الجمال الذي أبدعتُه، وهذا الجمال قد أكون الوحيدة التي تراه لكنه كافٍ بالنسبة لي لأشعر بالسعادة.

من جهة أخرى يخرج التدوين أفكاري الدفينة، ويربط بين أشياء قد يبدو أنه لا رابط بينها، ويحفز أفكارًا أخرى تفيدني أو لا تفيدني على المستوى الشخصي، لكنه يشكل رضًا عقلي يندر أن تجده دون أن تكتب.

عدا عن أن نشر التدوينات يجعلني أشعر أنني على تواصل مع الآخرين، ويرضي حاجتي للتعبير عن ذاتي، ويفتح مجالاً لأشياء غير متوقعة، ربما نضج، وربما نمو، وربما فرص مهنية واجتماعية أخرى.

بالأمس قررتُ أن أخرج للبحر مع والدتي، سألتُها فلم تمانع، وخرجنا بعد صلاة العصر، أعلم أن الطرق ستكون خالية في هذه الساعة، فالشمسُ الحامية تجبرنا على البقاء في بيوتنا تحت الظل وفي نعيم هواء المكيف البارد. وصلنا للشاطئ الذي كان خاليًا إلا من بعض المتنزهين ممن أرادوا السباحة والاستمتاع بالماء البارد، ومن بعض من أجبرتهم الحرارة على البقاء في السيارة والنظر للبحر من النافذة مثلنا نحن، فقط ابنتي الصغيرة أرادت اللعب بالسكوتر في المساحة الخالية من الناس. اشترينا المثلجات من عربة الآيسكريم، وتناولناه كوجبة خفيفة قبل الغداء، هذه النصف ساعة كانت كافية لتجديد الهواء، وإمتاع النظر، والترويح عن النفس.

“ايش فايدة؟” ليست سؤالاً عابثًا، بل دعوة للتفكير في الغايات الأعمق ما وراء الظاهر، ويساعدنا على إيجاد المعنى فيما نفعل، وتحديد ما إذا كانت تستحق وقتنا وجهدنا، ويحفزنا للعمل والإنتاج والإبداع وفهم الأشياء بعيدًا عما يمليه الآخرون وعن توجهاتهم.

4 رأي حول “ايش فايدة؟

اضافة لك

  1. ‏البحث عن الفائدة وراء كل فعل وعمل، برائيي يميت الروح!

    ‏يكفي أنني أستمتع بأمرٍ ما وأحب فعله وأشعر بشعور رائع أو جيد لأفعله.

    ‏“يا حنظلة ساعة وساعة”

    إعجاب

  2. أرى أن المشكلة تكمن في من يسأل السؤال نفسه: إيش فائدة! وليس في المُساءل. فهذا يعني أن الشخص السائل لا يرى الجمال في كثير من اﻷشياء مثل الطبيعة لذلك يتعجب لمن يذهب للبحر.

    وبعد كلامك عن الفرق بين التدوينات النسائية والرجالية، كنت سابقاً أتعجب أن تدويناتي الشخصية التي تحتوي على مشاعر وليس معلومات فقط يتفاعل معها النساء أكثر من الرجال، والتدوينات العلمية يتفاعل معها الرجال أكثر

    إعجاب

    1. كنت سأنوّه على هذه النقطة، فكل جنس يكتب ما يفضله، لكنني أحب النوع الآخر كذلك. لذا فالأمر ليس على إطلاقه، بل يعتمد على مزاج الشخص حال القراءة.

      Liked by 1 person

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑