طعام، أصحاب، حب.

قبل أيام انتشرت رقصة kiki في كل مكان، ومن بين كل المقاطع المكررة للرقصة يظهر مقطع على غرار رقصة الكيكي لكنه لفتاة مصرية ترقص على أغنية “شوقنا” لعمرو دياب.

ولأن للأغنية ذكريات عزيزة من أيام المراهقة حيث استمعنا لشريط عمرو دياب لأول مرة على طول طريق الكباين، ولمن لا يعرف فقد كان الذهاب للشاليهات تلك الأيام من الأوقات السعيدة التي لا تتكرر بكثرة، لذا كلما استمعت إلى أغنية من نفس الشريط ترجع لي ذكريات الرحلة السعيدة. لقد أحببت المقطع بعكس بقية مقاطع كيكي التقليدية. واليوم على مائدة الإفطار سمعت ابنتي تدندن أغنية شوقنا التي لم تكن تعرفها قبل الكيكي، فشعرت بالابتهاج وقررت أن أبدأ الكتابة وأنا أستمع للأغنية السعيدة.

يوم السبت قبل الماضي وصلتني رسالة نصية عندما كنت أحضر الطعام لزيارة والدتي، فلديها اليوم ضيوف ووعدتها بإحضار صينية الدجاج التي أشتهر بإعدادها. الرسالة كانت من صديقتي التي تقترح أن نلتقي في نهاية الأسبوع، واتفقنا مع صديقة أخرى على اللقاء في بيتي.

ليس لدي صديقات كثر، فقد كانت رحلتي في الحياة مختلفة نوعًا ما، تزوجت فور إنهائي الثانوية، ودخلت الجامعة متأخرة 4 سنوات عمن هم في نفس سني، فلم أحتفظ بصديقات المدرسة، ولم أستطع تكوين صداقات قوية مع زميلات الجامعة، وهاتان الصديقتان التي جمعنا مكان عمل لفترة بسيطة هما اللتان استطعت الحفاظ عليهما إلى اليوم، وقتها كنت بدأت الانتباه لنفسي ولعلاقاتي، وكنت قد قرأت مقالاً يقول أنك عندما تخطط للسنة الجديدة عليك أن تحيط نفسك بأناس تحب صحبتهم، تفكر بالأشخاص الذين تود أن تستمر في علاقتك معهم وتخطط للقائهم بشكل مستمر حتى لا تفقدهم في غمرة الانشغال. وفي أحد لقاءاتنا المبكرة -بعد تركنا العمل- فكرت أنني أحب أن تظل هذه المجموعة ضمن علاقاتي في الحياة، لذا اقترحت عليهما أن نرتب لاجتماعنا بصورة دورية، بحيث لا يمر شهر دون أن نلتقي. لاقت الفكرة استحسان الجميع، وتولت مروة المهمة دون تكليف، فكانت كل شهر ترتب للقائنا سواء في أحد المطاعم أو الكافيهات، أو في منزل إحدانا.

عندما قررت استضافة البنات هذه المرة، كانت قد مرت فترة طويلة منذ أن اجتمعنا في بيتي، فقد رزقت مروة بطفلها الأول وانشغلت بالعناية به ولم نستطع اللقاء سوى في بيتها أو في الخارج. كنا نطلب الطعام من المطاعم في زياراتنا الأخيرة، فأحببت أن أستضيفهم على طعام بيت، من صنع يدي، بعد أن مللنا من الأكل الجاهز وحان وقت التغيير.

احترت في ماذا أقدم لهم، لم أكن أود تقديم عشاء تقليدي بل وجبات خفيفة سهلة في التناول والإعداد، شاهدت مقاطع في اليوتيوب ووقع اختياري على “صينية ساندويتشات بالهوت دوغ واللحم المفروم” كطبق أساسي أبني عليه بقية الأطباق.

بعد بحث وتفكير قررت أن أقدم الأطباق التالية والتي يسهل إعدادها، فقط أقوم بتسخينها قبل التقديم:

1- دجاج بالبستو.

اخترت الدجاج لأن من المستحسن تقديم صنفين من اللحوم، لمراعاة الأذواق، ولأن الهوت دوغ ليس طبقًا مفضلاً لمن هم من مواليد السبعينات والثمانينات مثلي وصديقاتي. الدجاج بالبيستو سهل التحضير، فقط وضعت صلصة البيستو (التي حضرتها اليوم السابق) فوق صدور الدجاج، ثم شريحة طماطم، أدخلت الصينية الفرن لنصف ساعة تقريبًا.

2- بطاطس مشوية في الفرن.

من لا يحب البطاطس؟ قطعتها بدون تقشير ومع قليل من الزبدة والملح والفلفل وبودرة البصل والبابريكا والبهارات الإيطالية وضعتها في صينية وغطيتها بالقصدير، ثم بالفرن ساعة إلا ربع أزلت خلالها القصدير وهوب! البطاطس جاهزة.

3- سلطة بالذرة.

بحثت عن وصفة سلطة مناسبة فلم أجد، فابتكرت الصوص الذي يناسبني: ملح وفلفل وزيت زيتون وسماق وليمون، خلطتها معا ثم صببتها على مكونات السلطة: خس، جرجير، خيار، ذرة، وقليل من الفاصوليا الحمراء، ونتفة بقدونس وطماطم وفلفل رومي وبصل أخضر.

4- فطيرة أجبان (اشتريتها من مخبز أحبه قرب بيتنا)

5- بالإضافة للطبق الرئيسي وهو صينية ساندويتشات السجق.

6- تشيز كيك بدون طبخ

بحثت عن وصفة حلا يمكن تقديمها في أكواب بلاستيك، فوجدت هذه الوصفة السهلة “Blueberry Cheesecake” والتي لا تحتاج إلا إلى خلاط، ويمكن استخدام صوص التشيز كيك المعلب لتسهيل العمل.

تجهيز الطاولة

قبل سنة تقريبًا  أقمت عزومة في بيتي، واشتريت من ساكو طاولة قابلة للطي واستخدمتها كبوفيه وضعت عليها أطباق العشاء، لكن دعوة اليوم بسيطة، ولا تحتاج إلى طاولة كبيرة كهذه، لذا بحثت في موقع  إيكيا  ووجدت طاولة جانبية مناسبة، فكلفت زوجي بشراء اثنين منها استخدمتها كبوفيه، وكانت فكرة موفقة.

كانت السفرة رغم بساطتها تملأ العين، فمحتوياتها غنية وساخنة ولذيذة. قبل تقديم كل من الدجاج والبطاطس وصينية الساندويتشات، وزعت جبن موزاريللا وجبن شيدر على السطح وأدخلتهم الفرن 5 دقائق تقريبا إلى أن ذاب الجبن، وقدمتها ساخنة. وضعت شرائح من التفاح والبرتقال وأوراق النعناع في إناء عصير زجاجي ثم ملأته بنكتار التفاح من قودي مع مياه غازية من بيريه. وزعت السلطة في أكواب ورق مخصصة للسلطة اشتريتها من الدانوب، وعلى الوجه قليل من صوص الرانش ومتبل فرنسي وزينتها بالبيض المسلوق فكانت ملكة السفرة.

كنت محقة فيما يخص الهوت دوغ، فإحدى البنات أكلت الساندويتش بعد أن أزاحت قطعة السجق وأبقت على اللحم المفروم والجبن، أما ابنتها التي أصبحت صديقة ابنتي أحبت هذا الطبق جدًا، لدرجة أنها  طلبت من ابنتي تغليف باقي الساندويتش الذي لم تستطع إكماله في قصدير وأخذته معها عندما غادرت.

في المرة القادمة سأستغني عن الجبن في البطاطس، وسأضيف صوص الزبادي إليه بدلا من الجبن. ربما أستغني عن الجبن في الدجاج أيضًا أو أستبدله بوصفة أخرى، يعني سأحرص على أن أجعل السفرة متوازنة أكثر بإدخال أطباق خفيفة لتصبح طبق دسم مقابل طبق خفيف وهكذا.

الطبخ للضيوف الذين نحبهم قرار نتخذه عن سبق إصرار وترصد، نعرف أننا سنكون مرهقين، وقد يداهمنا الوقت قبل الانتهاء، لكن النتيجة تستحق، وحين يقدر ضيوفك مجهودك، ويمتنون له، فإن سعادتك تنسيك تعب اليوم، وتظل ذكراه باقية لوقت طويل تسترجعين الأوقات الطيبة فيها كما يتذكرونها هم، فالناس قد ينسون ما قلته لهم لكنهم أبدًا لا ينسون كيف جعلتهم يشعرون. تقديرهم وإكرامهم لا بالمال فقط وهو الأسهل، ولكن بوقتك وجهدك ومشاعرك أيضًا وهو أثمن ما يمكن لإنسان تقديمه لمن يحب.

الذكريات السعيدة قد ترتبط بمشهد، بمذاق، بعبارة، برائحة، أو بأغنية. وذكرى هذه الزيارة ارتبطت بساندويتشات الهوت دوغ، مثلما ارتبطت رحلات الكباين السعيدة بأغاني عمرو دياب القديمة.