انتقلت والدتها إلى رحمة الله. والدتها التي كانت تعاني من مشاكل نفسية تؤدي إلى العنف أحيانًا.
هذه الأم كانت تعيش مع ابنتيها بعد أن فقدت البنت الكبرى قبل سنوات، والابن الأصغر قبلها، والذي توفي في اليوم التالي لوفاة جدته، أم أبيه. أما الأب -رحمه الله- فقد رحلت أمه وابنه خلال يومين، ولديه زوجة لا تعي من الدنيا شيئًا بحسب ما يظهر لنا.
أما هي فقد تزوجت وانتقلت إلى القرية مع زوجها، أحد أبنائها مصاب بمرحلة متقدمة من مرض التوحد، لم يتم السيطرة على حالته بسبب عدم وجود علاج في المكان الذي يعيشون فيه.
من أهون التحديات التي تعيشها هي وجود عقرب أو ثعبان صغير في بيتها، لا تخشاهم لأن لديها خطة للتعامل معهم، خطة تعتمد على الروحانية المطلقة، بقراءة دعاء يجعل الكائن المؤذي يقف مكانه، تقول الدعاء مؤمنة موقنة بفعاليته، ثم تدعو أحد رجال عائلتها للتخلص منه، لكن ما تخشاه هو الحشرات الطائرة التي لا تستعمل معها الدعاء المذكور لأنها غير مؤذية.
نبضت ومضة صغيرة في قلبي ذكرتني بأيامٍ مضت. لا أعلم أين ذهبت تلك الروحانية، ولا كيف أستعيدها. كنتُ في العشرينات التي لم أشعر بمرورها، فمنذ بدايتها وأنا في جهاد العناية بالأطفال والتربية والدراسة الجامعية، ثم مرحلة أخرى مرض فيها الزوج كنتُ مكرِّسة جلّ وقتي له وللأطفال. لكنني كنتُ أجد الروحانية في قلبي باستمرار. كانت هناك طقوس دينية على الأرجح، حضور درس ديني أسبوعي، فيه الحديث وفيه السيرة وفيه كرامات أولياء الله الصالحين، وأكثر ما كان يؤثر فيه هو الجزء المتعلق بأسماء الله الحُسنى.
ثم ماذا حدث؟
ما أذكره هو أنني فجأة انتبهتُ إلى أنني وصلت التاسعة والعشرين من عمري دون حساب لأجمل أيام العمر. لقد خشيتُ فوات العمر دون أن أستمتع بالحياة، ودارت الدنيا بأحداث كثيرة محورها أنا، ولم تكن أجمل أيام حياتي بالطبع، بل أظن أن فكرة “أجمل أيام العمر” بحاجة إلى بحث وفهم وتصحيح، من أين أتت ولماذا وكيف؟ هي قطعًا فكرة مستحدثة ليست قديمة، ربما تكون المسلسلات والأفلام قد رسختها فينا من حيث لا ندري.
قالوا لنا يجب أن يكون لديكم أهداف في الحياة، ويجب العمل على جميع نواحي الحياة، وأن تجد المعنى في حياتك، انشغلنا بالتفكير والتخطيط وضيّعنا رأس المال.
من ذلك الوقت لم يعد نعيم الروحانية إلى حياتي إلا أوقات قليلة متقطعة. مررتُ بأيام صعبة، حتى هانت عليّ الدنيا، أشعر بالرضا، وبأن لكل أمر سبب، وفي كل حادثٍ خير، أستصعب بعض الأحوال لكني أعيد النظر للصورة من الأعلى، وأبحث عن الخير.
لا أجزع للركود الذي كان المؤرّق الأول لحياتي، وعندما أقلق يكون قلقي عابرًا، لأني أعود إلى الفكرة الأصلية التي أتمسك بها وأسأل الله أن يثبتني عليها، أمر الله غالب، والرضا غالب -الحمدلله.
لكنني مازلت أفتقد الروحانية.
قرأت اليوم هذه المقالة بتوصية من نشرة الفرحان البريدية، وهي مقالة تتحدث عن تزكية النفس. أعادتني سنوات إلى الوراء، إلى أيام الدرس في بيت جدي، إلى منظر عمتي وهي تفصّل في معاني أسماء الله الحسنى، إلى أقوال الغزالي وكتاب الإحياء ومقولات الإمام الحداد والحبيب عبدالقادر السقاف التي لا أذكر منها إلا النور الذي ملأت قلبي به، إلى أرواحنا التي كانت ترتقي مع كل خاطرة.
تزكية النفس عملٌ قلبي مستمر، وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
جمعة مباركة.

نعم..الروحانية! أنا أيضا أفتقدها وأجدها أحياناً عند سماع بعض الأناشيد مثل قصيدة من فاته منك وصل بصوت المنشد الكالوتي وفي غيرها من الأناشيدhttps://youtu.be/akZl-Kb5mOgوضعت رابطها لأني قبل قراءتي للتدوينة كنت أغسل الصحون وأسمعها 😊😊Sent from my iPhone
إعجابإعجاب
أضفتها لقائمة الأناشيد عندي على ساوندكلاود. وجدت نشيد قبل فترة بالصدفة مريح للأعصاب اسمه كشف المحبوب وهي قصيدة للششتري أو للحلاج ما أذكر.
إعجابإعجاب