أحيانًا تشعر أن عقلك لا يستطيع التفكير، يحاول لكنه لا يأتي بشيء جديد، وهنا تتذكر “كعبول” أو “عبدالملك” أو “كاترينا” كما يحلو للناس تسميته حسب ميولهم وأهوائهم، فتسأله عما تريد، وفي ثانية يسرد لك قائمة طويلة من الأفكار التي يظهر لك أنها تحل المشكلة، لكن المشكلة تظهر في تلك اللحظة التي يسترخي فيها عقلك ويتوقف تمامًا عن التفكير.
بدأت في ملاحظة الأمر مع قوقل ماب، لا أنكر فائدته لكنني أصبحتُ لا أفكر في الطريق التي سأسلكها، لأن التفكير عملية مرهقة وإن كانت لأمر بسيط كهذا، خاصة مع ضعف مهارة التركيز التي خلقتها التطبيقات المصممة لمساعدة الإنسان على تسيير أمور حياته اليومية.
مما قرأت وسمعت سواء على الشبكات الاجتماعية أو على أرض الواقع فإن العلاقة بين الناس العادية البسيطة وبين تطبيقات الذكاء الصناعي قد تطورت إلى حد التعامل مع الذكاء الصناعي وكأنه إنسان حقيقي تأخذ وتعطي معه، وتستشيره في أعقد الأمور وأتفهها في الحياة اليومية في العمل وفي البيت وفي أمور العلاقات وحتى الهواجس الداخلية، هذا مع التهاون في مسألة الخصوصية، مما أعطى سلطة كبيرة لهذه التطبيقات في التأثير على قرارات الشخص ومعتقداته. وهذه السلطة والتغيرات في السلوك فتح أعين الشركات على فرصة كبيرة من المرجح أن تكون أولوية قصوى كي تظهر هذه الشركات في إجابات الذكاء الصناعي على أسئلة مستخدميه، فظهورها يضفي أهمية أكبر نتيجة للسلطة والثقة التي تجعل المستخدمين يعتمدون عليه في اتخاذ القرارات.
كل هذا الكلام يرجعنا إلى النقطة الأساسية وهي عقلنا الذي ضعفت مهاراته المختلفة بسبب وجود من يقوم بها بالنيابة عنه. أتذكر أنني بعد التخرج من الجامعة عملتُ في شركة مديرها لا يتحدث العربية، وقتها كانت لغتي الإنجليزية ضعيفة، لكنني كنتُ أجتهد في فهم ما يقول وفي صياغة ردودي بطريقة مفهومة، وذلك حتى انضم إلينا قريبي الذي عاد للتو من أمريكا!
لقد توقف عقلي عن محاولة فهم ما يقوله المدير، ناهيك عن محاولة الرد عليه بلغة يفهمها، فقد اعتمدت تمامًا على قريبي الذي كان يترجم لي وعني.
وهكذا اتجاه الناس للبحث عبر تطبيقات الذكاء الصناعي أصبح مشكلة، إذ بدلا من البحث باستخدام قوقل، أصبح هناك توجه لسؤال شات جي بي تي أو جميني أو غيرهاـ وطبعا السؤال هنا يكون بشكل محدد ومفصل أكثر، فكيف يمكنك أن تحوّل الإجابة لصالحك؟
تعتمد النتائج في محركات البحث التقليدي (SEO) على كتابة الكلمات المفتاحية وعادة تكون كلمات عامة، أما الظهور في إجابات الذكاء الصناعي فهو أمر أصعب قليلاً، إذ أن برامج الذكاء الصناعي تبحث عن عبارات أكثر تحديدًا ووصفًا، وتقدّم لصاحبها إجابات مُجمّعة من مواقع مختلفة، وهذا التحول في السلوك نتج عنه تحول مباغت في مسار الأمور، فالأسئلة المحددة والمفصلة تحتاج إلى أن تكون لديك (أنت كمتجر إلكتروني أو براند) إجابات محددة ومفصلة في الويبسايت وإلا استبعدت تمامًا، وأصبحت غير موجود لشريحة من جمهورك المستهدف تكبر يومًا بعد يوم.
لازال البحث التقليدي هو الأساس، لأنه كلما تحسن ترتيب موقعك في محركات البحث التقليدية كلما زادت فرص ظهورك في محركات البحث عبر تطبيقات الذكاء الصناعي. وما على الشركات فعله هو الاهتمام بالمحتوى الذي يجيب على الأسئلة ويفصل في المشاكل التي يحلها، بالإضافة إلى محتوى العلاقات العامة مما يعني إنشاء علاقات مع الصحفيين والمدونين ذوي العلاقة بالمجال للإشارة إلى موقع المتجر أو الشركة بوضع رابط أو كتابة فقرة تساهم في فهم الخدمة أو المشكلة التي تحلها، مع تغطية إعلامية ترسخ للمصداقية.
وتلك مشكلة أخرى، فإذا دخل التسويق من الباب طارت المصداقية وفلوسنا معها من الشباك!

مواقع حجز الرحلات تعمد لبيع تذاكر أغلى لمن يسأل في محرك بحثهم الداخلي فينصح بالخروج ومسح الكوكيز ثمة العودة لتجد سعر تذكرة الطائرة أرخص مما إقترحه في البداية…
إعجابإعجاب
ايوة فعلا سمعت بهذه الحيلة. أصبح الربح أهم شيء، يقلدون أساليب الشركات في الأنظمة الرأسمالية ولا أحد يراجع قيمه أو دينه.
إعجابإعجاب