محاولات ضد الخواء – 2

ذهبت للسينما مع أختي وابنة خالتي. وصلتُ مبكرة قليلا لأشتري الفشار واتخذتُ مكاني أشاهد الإعلانات. بعد مرور نصف ساعة من الفيلم أرسلتُ رسالة لابنتي الكبرى أسألها: “ايش الأخبار؟” ويبدو أنها كانت منتظرة هذه اللحظة، إذ وصلتني منها رسالة طويلة – كانت مجهزتها لأنه ما يمديها تكتبها كلها تلك اللحظة- تخبرني أن أختها الصغيرة فعلت فعلة كبيرة، ولأول مرة اضطرت لتغيير الحفاظ لها، واستنفرت جميع من في البيت لمساعدتها على إتمام المهمة، وسط بكاء عالٍ ومستمر من الصغيرة، وصفت لي الموقف لاحقًا بقولها: “كنا كأننا في خلاط فيه ثلج، صراخها كان عال ومزعج، ونحن مرتبكون ومضطربون مثل الثلج بداخل الخلاط”. ضحكت وأخبرتها أنني فخورة بها لإتمام الأمر دون تذمر أو مماطلة.

كان الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية لمعاناة السود المحكوم عليهم بالإعدام دون حصولهم على محاكمة عادلة. وطبعا لم يكن من الأفلام المفضلة لي أبداً، إذ خرجتُ قبل انتهائه وأنا أفكر “ما الذي يضطرني لمشاهدة فيلم من هذا النوع؟ ألا يكفي معاناتي الشخصية ومعاناة المسلمين في هذا العالم كي أنشغل بمعاناة لا تنتمي إلي من قريب أو بعيد؟” بعدما غادرتُ القاعة، جلست على كرسي في منطقة المطاعم، وأخرجتُ دفتري وقلمي من الحقيبة وبدأتُ أكتب. الكتابة تصفي الذهن وتبلور الأفكار وتجعلني أشعر بشعور أفضل. بعد نصف ساعة انتهى الفيلم والتقيت مع أختي وبنت خالتي -بعد أن استنفذ الفيلم دموعهما- في مطعم قريب نتناول العشاء ونتحدث أحاديث سارة.

في آخر الأسبوع كنت قد وعدت صديقتي بزيارتها، وصلت بيتها بعد أن خلد صغيرها إلى النوم، وكنت قد أرسلت طفلتي مع أختها لبيت والدتي. صديقتي هذه طباخة ماهرة، ولحسن الحظ فقد خبزت لي لفائف الزعتر الشهية، وفطيرة تفاح، وقدمت لي ورق عنب كانت قد اشترته من سيدة على انستجرام، وكيك بالشكولاتة كنت قد أحضرته معي. كان الطعام لذيذًا والشهية مفتوحة للأكل وللكلام، أخبرتني عن مخبزهما الصغير الذي افتتحته مؤخرًا مع زوجها، وعن أصدقاء طفلها في الحضانة، وأخبرتُها عن بعض عاداتنا الثقافية وعن ابنتي وحساسيتها للأصوات العالية والغرباء، ولأننا من ثقافتين مختلفتين فقد تشاركنا بعض الأمثال التي تقال، فعلمتني مثلاً من المنطقة الشرقية حيث تنتمي يقال كناية عن الاهتمام الزائد: “يا دهينة لا تنكَتِّين”، وعلمتُها مثلا يقال كناية عن تأثير الأصدقاء “من ساير الحمامة طلعته الروشان، ومن ساير الدجاجة نزلته السرداب”. كانت الجلسة مليئة بأحاديث سعيدة وثرية وملهمة دون توقف، قليلة هي الناس التي تشعرين بتحسن وبروح معنوية عالية بعد لقائها.

بينما أنا هناك تلقيتُ اتصالا من صديقة عزيزة من أيام الجامعة، مر على تخرجنا 15 عامًا لم نلتقِ خلالها إلا مرتين أو ثلاثة، وهي تسألني إن كنت متفرغة يوم الإثنين القادم لأنها تود لقائي ومجموعة من صديقات الجامعة قبل أن تعود إلى مقر سكنها بالشرقية. يبدو أن الانفتاح على أمر ما يسوق إليكِ الفرص واحدة تلو الأخرى. وافقت على اللقاء وأنا متشوقة لرؤية ما فعلته السنون في حياة كلٍّ منا.

في التدوينة السابقة، كنت أشكو من الخواء، لكني اليوم أفضل حالاً بكثير. مشاركة أفكاري هنا، وانفتاحي على التغيير ومحاولاتي لإرساء نظام أستطيع الوثوق به والاعتماد عليه آتت أكلها. الآن أنا أكتب بينما تنام صغيرتي في نفس الغرفة، ويبدو أنها اعتادت سماع طقطقة أصابعي على الكيبورد. وبعد ساعات سأخرج للقاء الصديقات وسأتركها بين يدي أختها التي اعتادت الاعتناء بها. وهذا يبشر بالخير، لا شيء يبقى على حاله، الأهم أن تخطو خطوة في سبيل التغيير، ثم ادفع ما استطعت وسيتظافر الكون لمساعدتك.

لا زال التانكي نصف فارغ لم يمتلئ، فإذا عندكم أفكار للتغلب على الخواء شاركوني إياها مشكورين في التعليقات هنا أو على الإيميل:

rifaqtravel@gmail.com

رأي واحد حول “محاولات ضد الخواء – 2

اضافة لك

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑