لم أستطع إكمال قراءة كتاب “سحر الترتيب”، لكن الفكرة الرئيسية فيه هي أن الشيء الذي لا يشعرك بالسعادة تخلص منه.” أعرف أن حالتي النفسية غالبًا ما تكون السبب في تخلصي من الأشياء، إذ يأتي علي وقت أضيق بما في الدولاب أو المطبخ أو المكتبة، فأقرر عمل تنظيف شامل والتخلص من كل مالا يشعرني بالفرح، وهذا من قبل قراءتي لسحر الترتيب. في رمضان قبل الماضي أخرجت كمية كبيرة من الكتب التي قرأتها لمرة واحدة وأعرف أنني لن أعود إليها ثانية، وتواصلت مع مواكب الأجر وأرسلتها مع السائق. أحيانا أتذكر فكرة أو مقولة في كتاب ما وأقول ليتني احتفظتُ به، ثم أراجع نفسي وأقول لا؛ أحسن، فقد امتلأ البيت بما يفيض عن حاجته من الكتب.
في تدوينة من ضمن عدة تدوينات عن التبسيط للأستاذ عبد الله المهيري بعنوان “من صنع الحاجة؟” يتحدث فيها عن مساعي الشركات الحثيثة للتسويق لمنتجاتها ودفع الناس على شراء المزيد منها، يقول:
“انتباهك له قوة وتأثير، إن أعطيته لهؤلاء فلا تستغرب أن ترى حاجة في نفسك لأشياء لم تكن تحتاجها من قبل، ستشتري الشيء لأن ذلك يسعدك وقد يسعدك وصوله وفتح صندوقه ثم ماذا؟ شخصياً وقعت في هذا الفخ مرات عدة، لا تظن أنني بكتابتي لهذا الموضوع أدعي المثالية وأنني محصن من تأثير كل هذه الجهود، حتى مع علمي بأثرها السلبي أجد نفسي في شباكها مرة بعد مرة، لكن مع تكرار التجارب فهمت أن فكرة امتلاك الشيء تختلف عن حقيقة امتلاكه.”
فعلا، فكرة امتلاك الشيء تختلف عن حقيقة امتلاكه، فالنفس ملولة، تسعد بالشيء يومين أو ثلاثة ثم تمل منه وترغب في غيره. قبل مدة سافرتُ إلى إحدى الدول الأوروبية المعروفة بطقسها الغائم، وأجوائها الممطرة، وأرضها الخضراء الزاهية، في البداية كنتُ أتأمل كل ما حولي لأتشبع قدر الإمكان بتلك الصور الخلابة، لكنني بعد مدة وجدت نفسي أسير في طريقي غير آبهة بما يمر علي من مناظر آسرة، فقد اعتادت نفسي عليها ولم تعد تبهرها كسابق الأيام. يقال أن الدوافع الاجتماعية هي أكثر ما يؤثر على الإنسان في رغبته في امتلاك الأشياء، وأعتقد أن فترة حظر التجول فضحت القيمة الحقيقية للأشياء في حياتنا.
يقولون عنه تبسيط، وأقول عنه زهد، الزهد فكرة أصيلة في تراثنا الإسلامي، ومعناه الإعراض عن طلب الدنيا. قيل أن الزهد يورث السخاء بالملك، والحب يورث السخاء بالروح، الحب يدفعك للشهادة، والزهد يدفعك لأن تبذل ما تملك. عندما قررتُ حذف الوتس أب وصلتني، ولا زالت، تساؤلات واعتراضات واستنكارات كثيرة حول كيف أعيش بدون وتسأب؟ ومهما حاولتُ إقناعهم أنه يضر أكثر مما ينفع لكن دون جدوى، بل ويحاولون إقناعي بتجاهل الرسائل وعدم الاشتراك بالمجموعات عدا مجموعتهم، وإلى اليوم قضية حذف الوتسأب تشغل معارفي وأصدقائي وكل من يحاول التواصل معي على وتسأب دون فائدة. وأتى عليّ وقت أفكر فيه باقتناء هاتف غير ذكي، لا يستقبل إلا المكالمات والرسائل النصية، ثم أقلعتُ عن الفكرة عندما زادت الحاجة للتطبيقات الأخرى والتي أصبح بعضها إلزاميًا في الظروف الحالية مثل تطبيق توكلنا الذي لا يسمح لك بدخول أي مكان إلا بعد تحميل التطبيق والتأكد من سلامتك من فايروس كورونا.
في حلقة فن التخلي من بودكاست رفاق قلت:
” أحيانًا تبني شيئًا ما، أخذ منك بناؤه وقتًا وجهدًا ومالاً، لكنك تصل لمرحلة ما تدرك أن عمره معك قد انتهى، وأن الفرح الذي كان يجلبه لك قد خمد، والعائد الذي يعود به عليك فقد معناه وأهميته. لكن يصعب عليك توديعه، فقد أصبح جزءًا منك، يعز عليك التخلي عنه، فتحاول التشبث به لأقصى مدة ممكنة، ثم تدرك أن الوقت حان لبداية جديدة، ربما لم تدرك شكلها وصورتها، لكنك تدرك أنها قريبة جدًا منك، ولكي تفسح لها المجال، عليك أن تخلي مساحة يمكنها التسلل منها، فإذا ما وجدت مكانًا كافيًا أخذت بيدك لمكان جديد واعد وسعيد.”
لدي مشروع بدأته عام 2012 ولا زال قائمًا، لكنني اليوم أشعر تجاهه بكل هذه المشاعر، ورغم أنني أحب انتمائي له، وانتماءه لي إلا أنه لم يعد يشعرني بالفرح، وأود لو أبدأ صفحة جديدة من مكان جديد. هل سأتخلى عنه؟ وهل سأندم إذا تخليتُ عنه؟
رغم أنني لم أقرأ كتاب سحر الترتيب بعد، إلا أنني الآن أكتب وأرفع نظري للرف العلوي في المكتبة بجانبي لأراه يقبع بهناء بين الكتب: السيرة الطائرة للمسيري، وسائح في دنيا الله لعبد الوهاب مطاوع، وطعام صلاة حب لإليزابيث جيلبرت، وسحر الترتيب لماري كوندو، مع كتب أخرى على رف الانتظار. هل سأقرأه أم سأتخلص منه في موجة التطهير التالية؟ الله وحده أعلم.
اترك تعليقًا