شيئًا نُكرًا

” هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا”

يلتقي سيدنا موسى الخضر عليهما السلام، فيسأله أن يتبعه ويتعلم منه، فموسى لديه العلم الظاهري، أما الخضر فقال الله تعالى عنه:“وعلمناه من لدنا علمًا”. يخرق الخضر السفينة، فينكر عليه سيدنا موسى، لأن الحكم الظاهري الذي يحكم به الأنبياء يقول أن هذا إتلاف مال الغير، ثم يقتل سيدنا الخضر الغلام، فيذهل لعظم الفعل: “أقتلت نفسًا زكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئًا نكرًا”. فالجريمة كبيرة، قال ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: إن سألتك عن شيء بعدها لا تصاحبني، فقد عذرتني واستحملتني فلن أسألك بعدها. قال نبينا صلى الله عليه وسلم:”رحمنا الله ورحم أخي موسى، لو صبر لعرفنا كثيرًا.” ويجيب الشيخ الشعراوي رحمه الله عن سؤال هل الخضر حي أم ميت؟ فيقول: لكل زمان خضر.

معنى الرشد هو حسن التصرف في الأمور.

في مرة قرأت عبارة تقول أنك يجب أن تتخلى عن فكرة أنك يجب أن تفعل الصواب على الدوام، لأنك بشر، ولست ملاك. اندهشت من الفكرة، لأنني أحاول دومًا تحري الصواب دون أن أناقش احتمالية عدمه، وعندما أجانبه أحزن، لكن أشد ما أخاف منه هو أن أكون على خلاف ما أعتقد، أن أرى نفسي شيء، ويراني الناس شيئًا آخر.  

البحث عن علا

هو عنوان المسلسل الجديد الذي اقترحت ابنتي أن نشاهده معًا، مسلسل لطيف، به أمور لا أوافق عليها لكنها ليست غريبة. صرت أستمرئ مشاهدة المسلسلات الغربية بسبب الاختلاف الجوهري بين ثقافتنا وبين ثقافتهم ونمط حياتهم، وأفضل مشاهدة المسلسلات التركية، على قلة الجيد منها، لما فيها من نقاط مشتركة بيننا وبينهم، ولست من معجبي المسلسلات العربية الحديثة، لكن يبدو أنه أصبح خيارًا مطروحًا هذه الأيام. وخذ مني نصيحة لوجه الله، إذا قررت مشاهدة المسلسل ففكر فيه على أنه مسلسل مسلي. وانتبه! لا تقرأ أو تسمع أو تشاهد تحليلات نفسية أو شخصية للمسلسل أبدًا، لأنها ستخرب عليك وتقتل المتعة.

صادفت مرة تغريدة أنقلها بتصرف: “من سمات عصر الفردانية: الأنانية الشديدة في طلب الحظوظ، والشعور بالمحن والابتلاءات، والانكفاء على اللذات والآلام الشخصية العاجلة، والاقتصار عليها في معيار الخير والشر.”
نعم هذا ما أعتقده. الانكفاء على اللذات والآلام العاجلة وجعلها هي محور الحياة والتصرف على أساسها، وتقديمها على كل ما سواها، ومحاكمة الآخرين بناء عليها، وقياس شجاعة الفرد بمدى قدرته على الاستجابة لها، واتخاذ قراراتنا المهمة وفقًا لما تمليه علينا.

أين ذهبت قيمنا الأخرى؟

الانتماء للعائلة، والحفاظ على وحدة الأسرة، وتماسك المجتمع، وخلق بيئة صالحة، فيها من الصبر والنزاهة والتقدير والإكرام وصيانة العشرة ما يسمح بتربية أبناء أسوياء وصالحين لأنفسهم ولمجتمعاتهم. لا أنكر أي حق للمرأة في وقتها الخاص، وممارسة حياتها بشكل طبيعي ومريح وحر، لكن ما أراه حولي من انتهاك للقيم تحت عنوان “أنا ومن بعدي الطوفان” فهذا لا يرضيني ولا يرضي كل ذي عقل.

لا تزر وازرة وزر أخرى

يؤلمني أن أرى من يلوم أمه على مشاكله. نعم للأم دور مهم في التنشئة، وكل أم تفعل ما بوسعها لتربي أبناءها على حسن الخلق وفضائل الأخلاق. الأم تجتهد، إن أخطأت فلها أجر، وإن أصابت فلها أجران. أما أن تصم أمك بالنرجسية لأنها كانت حازمة، أو تلقي باللوم عليها نتيجة اختياراتك الشخصية، أو تربي أبناءك على الأنانية وتقديم الذات على كل ما سواها اعتقادًا منك أنك أفضل من والدتك، فهذا لا يأتي من نفسية سوية، والأولى أن تبذل جهدك في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتصحيح أفكارك سواء بالرغبة الصادقة والحقيقية التي تثمر عن اعتقاد وسلوك سوي غير مشوه، أو بتلقي مساعدة من مختص.

مرة كنت أتناقش أنا وصديقتي حول فكرة توحش الناس، فكان رأيي أن الفقر والمرض والحروب وضيق ذات اليد وعدم وجود بارقة أمل لدى الإنسان، كل ذلك يزيد من توحش الإنسان تجاه أخيه، فينظر لما بيد غيره من النعم، من غير مواراة أو خجل، ويرى أحقيته في الحصول عليها، ويستكثرها على غيره، ولو تهيأت له الظروف لخطفها منه عيانًا بيانًا، لتصبح له دونًا عمن سواه. لم توافقني على كلامي حينها، لكن يبدو أنها تراجعت لاحقًا. وهذا هو ما أراه فيمن يعظم لذاته وآلامه ويجعلها محور حياته، فهو يتوحش في إثبات استحقاقه المزعوم، ويتوحش أمام كلمة الحق التي لا تخدم أهدافه، ويتوحش في مواجهة كل من له أو ليس له حق عليه، يتصيد الأخطاء، ويحور الكلمات، ويقلب الدنيا على من يخالفه، ثم يحاول جمع حلفاء جدد، ليعوض بهم خسارة شبكة الدعم من حوله، ومع الوقت يخسر كذلك حلفاءه الجدد، ليبحث عن ضحايا آخرين.

كنت أود لو كتبت تدوينة خفيفة مريحة، لكن النصيب لهذه الفكرة اليوم. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا. والحمد لله على كل حال.

رأيان حول “شيئًا نُكرًا

اضافة لك

  1. كنتُ سأكون صديقتك التي لم توافق على رؤيتك، لكن (فيمن يعظم لذاته وآلامه ويجعلها محور حياته) وضحت الرؤية. إذ أن هناك أشخاص في قاع سحيق ولكن لأن صدورهم رحبة وحرة لا تضخم معاناتها وتستصغر من معاناة الآخرين فهم لطفاء ومتسامحون وكرماء وطيبون. أما من كبرت في عينه نفسه، سقط من عيون الآخرين. الشيء الذي يجب أن يعرفه الإنسان أنه مع السيل وليس ساقط من السماء.
    من الجميل أن نخاف يا بسمة، عندما نخاف نحذر، وعندما نحذر نكون قد فعلنا أقصى ما لدينا، والمجتهد رابح ولو بالخطأ. هذه التدوينة تجمع فقرات لذيذة حقًا👌💙

    Liked by 1 person

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑