عاقدة الحاجبين

لم تتجاوز الساعة السابعة صباحًا عندما بدأت تهمهم: “إنّننه، إنّننه”. التفتُّ للصغيرة النائمة في سريرها بنصف عين وقلت “صحيتِ؟ ليه صحيتِ بدري اليوم؟” لم ترد واستمرت في تكرار همهمتها التي تخبرني أنها تريد شيئًا، نهضتُ وحملتها إلي، شربَت الحليب ثم نامت. ساعة واحدة فقط، ثم شعرتُ بها تمارس هوايتها في التقلب والدوران بجانبي على السرير. حاولتُ التظاهر بالنوم لعلها تقتدي بي لكنها قررت أن تبدأ يومها. استسلمت، واتصلتُ بوالدها الذي يعمل من الغرفة المجاورة لكنه لم يجب. وهكذا أصبحتُ مضطرة للنهوض مع صاحبة الجلالة.

كنتُ مقتنعة أنني إنسانة ليلية، فعندما أنهض مبكرًا أصاب بصداع يعكر يومي، لذا قررت أنني لا يجب أن أكلف نفسي ما لا أطيق، وأنهض قبل الظهر بقليل، لا أكثر. ثم في عام 2015م، سافرتُ في رحلة عائلية إلى سريلانكا، هناك كنا نستيقظ مع الفجر، نصلي ثم نتناول الإفطار أنا والأولاد وأمي في صالة الطعام بالفندق، ثم ننطلق بالسيارة لاكتشاف المنطقة. نكون في الفندق قبل الثامنة مساءً لننام بعد صلاة العشاء مباشرة. عدنا من تلك الرحلة ونحن مبرمجون على هذا النظام، نصحو مع الفجر، وننام بعد العشاء، كنت حينها أعيش في مدينة لا نعرف فيها أحدًا من الأهل أو الأقارب، فلم يكن النوم مبكرًا يمثل أي مشكلة، بل العكس، كان تغييرًا كبيرًا في نظام حياتنا استشعرنا بركته في الوقت والنشاط والإنجاز.

اليوم تغير الوضع، فالعاشرة يعتبر وقتًا مناسبًا للاستيقاظ، أما بعد الثامنة بقليل فلازال الوقتُ مبكرًا. غيرتُ لها الحفاظة، واستبدلتُ ملابس النوم بملابس الصباح، وجاء والدها في العاشرة ليصحبها في نزهتهما الصباحية. لم أكن غاضبة لكني متعكرة المزاج، ففكرتُ أنه سيكون من الجيد الإسراع بتناول الإفطار قبل أن يأتيا وأنشغل بإطعام الصغيرة. دخلتُ المطبخ فلم أجد الخبز، اتصلتُ أطلب منه أن يحضر الخبز قبل أن يذهبا لمكانهما المفضل، قال: “حسنًا بعد قليل”. هنا فهمت أنه سيحضر الخبز في موعد عودتهما لا قبل. فتحول تعكُّر المزاج إلى غضب، وفكرت أنني سأصنع مناقيش لأتناولها فورًا. بحثت ووجدت عدة وصفات لكن للأسف يجب أن أترك العجينة تتخمر لنصف ساعة على الأقل. قلت لا بأس، سأصنع فطائر الزعتر التي أتقنها، فمزاجي لا يسمح بتعلم وصفة جديدة. عجنت العجين وما إن غطيته بمنشفة مبللة بماء دافئ حتى عادا من نزهتهما وقد أحضرا الخبز من المخبز القريب من البيت.

أطعمتُ الصغيرة، وتناولت إفطاري مع أهل البيت عاقدة الحاجبين، دون أن أرد على أسئلتهم المستفسرة عن سبب غضبي. دخلت الغرفة واتصلت بوالدتي إيمو في موعدنا اليومي، لكن أمي لم ترد، فشعرت زينة بالضيق كعادتها عندما لا يحصل ما كانت تتوقعه، فأريتها فيديو لها وهي تلعب بالماء، تحفزت وبدأت بتكرار كلمتها المعروفة “أننه، أنّننه” هنا عرفت أنها تريد أن تلعب بالماء، فأحضرتُ الطشت وملأته بالماء ووضعت ألعابها فيه وتركتها تلعب، وعندما تبللت ملابسها قررت أن أحممها، ثم أستحم أنا. خرجتُ من الحمام فوجدتها قد نامت. تمددتُ بجانبها بعد أن أخرجتُ لفائف الزعتر من الفرن، وأخذت كتابي لأقرأ.

كتاب “مكتوب على الجبين” لدكتور جلال أمين هو الكتاب الذي سمح لي بقراءته هذه الأيام، فهو مقسم لفصول بصفحات قليلة، وكل فصل يتكلم عن لغز من الألغاز البشرية التي صادفها في حياته. حكايات وقصص عن شخصيات يعرفها بحكم قرابة أو صداقة أو عمل، يتناولها في صفحاته مع تحليل شخصي يجعلك تتفكر في أحوال الناس ودوافعهم ونفسياتهم. الكتاب مسلي وقيَّم جعلني أنسى السوء الذي كنت أشعر به صباحًا.

رائحة المخبوزات الطازجة الخارجة من الفرن، مع الاستحمام بالشامبو برائحة النعناع والذي اكتشفتُه قبل أسابيع، مع قراءة كتاب جيد، رفعا من حالتي المعنوية قليلا، فقررتُ الخروج بعد الغداء لأخذ الدرس الثاني في القيادة. قالت لي صديقة أن تعلم القيادة لا يجب أن يكون مع شخص له سلطة عليك مثل الأب أو الأخ الأكبر أو الزوج، إذ أن هذا النوع من السلطة تتصاحب عادة مع الخوف على سلامتك فتعيق عملية التعلم. كان الدرس الثاني ممتعًا، وشعرت في بعض الأحيان بنفس شعوري عندما كنت طفلة أستمتع بركوب سيارات السباق في الملاهي. انتهى الدرس وعدنا إلى البيت تصاحبنا أغنية “رضا والله وراضيناك”، والتي لم أسمعها منذ أن كانت تعرض على القنوات الفضائية باستمرار، لم يكن يعجبني صوته لكنني عندما سمعتها هذه المرة أحسستُ بجاذبية أداء طلال سلامة، ليس الصوت، إنما له طريقة مميزة في نطق بعض الحروف بجانب صوته المميز مما يضيف جمالاً إلى الأغنية التي يغنيها.

صادف أن وصلنا إلى البيت مع خروجه منه، وكنت مصممة على البقاء عابسة دون أن أبدي أي توضيح، فأتى إلى بابي يسألني عن حالي بطريقة مضحكة، وللأسف لم أستطع الصمود، فرغم أني عقدت حاجبي تنفيذًا لقرار العبوس، إلا أن ابتسامة فلتت مني أتبعتُها بضحكة على سذاجتي وسوء تمثيلي الذي أفسده مزاجي، إذ لم يملك إلا أن يروق بعد كل هذه الجهود التي بذلتُها، والتي تكللت بنجاح من جهة، وبفشل من جهة أخرى.

يا عاقد الحاجبين- فيروز

رأيان حول “عاقدة الحاجبين

اضافة لك

  1. فقرة استيقاظ الصيصان قبل وقتهم دائما كفيلة بعقد الحاجبين وصباح معكر قليلا ً 🤭
    وأمضي نصف ساعة على الأقل بمحاولة اقناعهم بالنوم و أغمض وأقولهم مو نايمه بس اريح عيوني 😂
    الله يخليها لك الكتكوتة 💕
    أسرع وصفة جربتها للخبز اللي تستخدمين الزبادي ( زبادي و طحين و شوي ملح ) وتتركينها ترتاح شوي بس عبال ما تسخن التاوة وبالعافية 😋

    إعجاب

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑