سيد المضانين *

قبل أيام وضع أحدهم على تويتر رابط لقاء صحفي مع أبوبكر سالم في الكويت، لا أدري متى أجري اللقاء تحديدًا، أظنه تم بعد حرب الخليج بسنوات. أبوبكر سالم –رحمه الله- يتحدث بلهجته الحضرمية، ويستعين بأبيات شعرية فصيحة، في حواره مع الصحفيين، ولما سئل عن سبب عزوفه عن الغناء لخالد الفيصل وبدر بن عبد المحسن، قال أنه لا يتقن اللهجة النجدية التي يُكتب بها الشعر النبطي، مما سيؤثر بلا شك على جودة العمل، وأنه كان خائفًا جدًا عندما غنى الأغنية الصنعانية ليس لصعوبة أداء اللحن وإنما لاختلاف لهجته الأصلية عن اللهجة الصنعانية مما يجعل من الصعب على المتلقي تقبلها، ولذلك ارتبطت معظم أعماله بالشاعر السيد حسين المحضار –رحمه الله- الذي يكتب الشعر باللهجة الحضرمية التي يتقنها.

في اللقاء ترى اعتزاز أبوبكر بهويته واضحًا وضوح الشمس. إذ في معرض حديثه عن حال الأغنية تلك الأيام استنكر أن يجد مغنيًا يقول بحبك يا حبيبي، بينما كتب على ثيابه “آي لوف يو”، فإن كان ولابد فليغني آي لوف يو بدلا من بحبك يا حبيبي.

أعجبك في كل شي إلا الزعل

عدتُ بذاكرتي لأيام المراهقة، وسمعتُ صوت صديقتي تقول أن أصيل يذكرها بي عندما يغني، بحركات يديه ولغة جسده التي تطرب مع اللحن. فقررتُ الاستماع إلى أغنية اختلفتُ أنا وأختي في مغنيها، هي تقول عبد المجيد عبد الله وأنا أقول أصيل، بحثتُ عنها فوجدتها على اليوتيوب لكلا الفنانين، استمعتُ لها بصوت أصيل، ثم فكرت أنني انقطعتُ عن الاهتمام بأغانيه من زمان، ربما كانت ” ياتاج راسي” آخر أغنية سمعتها له. أدرت بإصبعي نتائج البحث ووجدتُ تسجيلاً له لأغنية “ما علينا” في جلسة حديثة بالرياض. شغلت الفيديو ويا لخيبتي عندما استبدل كلمة “نحنا” بكلمة أخرى باللهجة النجدية. الجمهور يردد “عاد نحنا إلا بدينا”، وأصيل يكرر “عاد حنا الا بدينا”، بأسنان بيضاء بفعل العدسات اللاصقة، وأداء باهت.

في وقتٍ لاحق أنهيتُ اللقاء الصحفي لأبوبكر سالم، وانتقلتُ منه إلى لحظة تكريمه في مهرجان هلا فبراير، تحوفه النجوم والأضواء، ويحيطه عبد الله الرويشد بعنايته ومحبته وتقديره. ثم إلى لقاء آخر مع الرويشد يفتخر فيه بمحبة أبو أصيل له كابنه تمامًا. هل كان أبوبكر سيلقى كل هذا القبول والتقدير من الناس لو انسلخ من هويته، وفعل ما يطلبه المشاهدون؟

“يقول إنني فضلت غيره عليه

وغيره معي يطلع كماه إيه”

اليوم بدأتُ صباحي بأغنية “يقول إنني فضلت”، أعددتُ طعام الإفطار مع العشرة الطيبة، والرفقة اللينة، والأخذ والعطا، مع عهد الصبا الذي لن ينسى، ومع الأسرار المحفوظة، والأخطاء التي ستظل مغطاة، لم ولن يعرفها أحد. أخذتُ أسكب الشاي في الأقداح الملونة وأدندن معه: “وإن شك أو كثرة ظنونه، فما زال هو سيد المضانين”، وفكرت: ” إن زعّلنا أصيل يوم، فأبوبكر يراضينا كل يوم”.

*المَضْنُونُ : كل ما يُضنُّ به ويُتنافَسُ فيه. (معنى ضن به: تمسك به وحرص عليه وبخل به).

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑