بريق منطفئ

آخر الأسبوع الماضي قرأت مقالة على موقع ميديم بعنوان “كيف تبني روتين يومي فعال جدًا بالطريقة التي تناسب نمط حياتك”، كاتب المقال يقول ابدأ يومك كما تعودت، لكن عليك إنجاز 3 أمور: الكتابة اليومية، والتأمل، وممارسة الرياضة. وفصّل أكثر في قسم الكتابة اليومية وهذا ما وجدته مفيدًا لي لذا سأوضحه باختصار. كان من ضمن ما تكتبه بالإضافة إلى اليوميات: نقطة التركيز، نقطة السؤال، نقطة القصة، نقطة الأفكار، خلاصة الشهر:

  • نقطة التركيز: تضع لنفسك مهمتين كل يوم، واحدة تتطلب تركيز، والأخرى مهمة لا تتطلب تركيز، عليك أن تنجز هذه المهمتين قبل انتهاء اليوم.
  • نقطة السؤال: اسأل نفسك سؤالاً تعتمد إجابته على التخمين، مثلاً هل كان يجب علي أن أترك وظيفتي الحالية؟ وماذا إن تركتها؟ ماذا سيحدث؟ أو كيف سيكون شكل حياتي بعد خمس سنوات؟ وابدأ بتخيل سيناريوهات محتملة وما الذي يترتب عليها.
  • نقطة القصة: فكر بقصة تكتبها في المدونة، (أو على مواقع التواصل الاجتماعي إن لم يكن لديك مدونة) لا يهم إذا كانت فكرة القصة سيئة أو جيدة، المهم أن تدرب مخك على توليد الأفكار.
  • نقطة الأفكار: فكرة مشروع جديد، أو موقع ويب أو منصة أو تطبيق، وحاول العمل عليها.
  • خلاصة الشهر: تكتب ما حدث، ما حققته، وما تعلمته خلال الشهر. ما الأخطاء التي ارتكبتها وكيف تتلافاها مستقبلاً، وما الأمور الجيدة التي تستحق الاحتفاء لتحتفل بإنجازك لها.

اليوم قررتُ أن أطبخ بامية على الغداء! في حياتي لم أطبخها إلا مرتين، إذ في المرة الثانية وأنا أقطع حبات البامية خرجت لي دودة ضخمة كانت تختبيء وسط إحداها. لازلتُ أتذكر منظرها وشعوري بالاشمئزاز لم يزل. لكن اليوم خطرت لي فكرة عبقرية، فاشتريتُ بامية مثلجة بدل الطازجة. كان تغييرًا جيدًا في قائمة الغداء. بعد الاستحمام شاهدتُ أحد مقاطع تيد على يوتيوب لإليزابيث جيلبرت، تتحدث فيه عن مخاوفها من الفشل بعد أن كتبت “طعام، صلاة، حب”، فماذا إن شعر معجبوها بخيبة أمل ولم يرق لهم كتابها الثاني؟ ووصلت إلى فكرة مفادها أن النتيجة غير مهمة، مادامت تفعل الشيء الذي تحبه، ما دامت تفعل ما كانت تفعله طوال عمرها، تفعله لأنها تحبه، فقد كانت تكتب طيلة حياتها، وفي كل مرة تواجه بالفشل، إلى أن حظي كتابها الأول بالنجاح الساحق، فماذا بعد؟ ستظل تكتب، فالكتابة هي موطنها، هي ديارها التي تسكن إليها، وتطمئن لها، وترتاح معها.

تذكرتُ أشخاصًا كانوا متوهجين في فترة ما من حياتهم، والآن هم موجودون، لكن بريقهم قد خبا، وفكرت أن الأمر أصعب عندما تتوجه إليك الأضواء، ثم فجأة تجد نفسك خارجها، أنت لازلت تفعل نفس ما كنت تفعله، لكن تدخل في المعادلة أمور أخرى لا تستطيع السيطرة عليها، تمامًا مثل إدمان المخدر أو اللعب أو الأفلام الإباحية، إذ يفرز هرمون الدوبامين عند أول مرة، فتشعر بلذة هائلة، ثم تستمر في ممارسة نفس الشيء علك تحصل على نفس اللذة التي شعرت بها، لكنها للأسف لا تحدث. وذلك مثل أن تعمل شيئًا لأجل النتيجة التي ستحصل عليها، فالنتيجة غدارة، والإدمان عليها يورث الهم وفقدان الرغبة، وتبلد الشعور. لذا؛ علينا أن نعمل الشيء لأننا نحبه، لأنه الشيء الذي نود فعله ونؤمن به وبجدواه بغض النظر عن النتيجة.

“كل ما ذكروك قالو ذبلت غصـــــــــــــــونه
وانطفت شمسه وغابت عنده الغــــــــونه
بس انا لي عين ماشافت في الدنيا سواك”*

إن حياتي اليومية كزوجة وأم فيها من الواجبات ما يملأ يومي بأكمله، لكن الشعور بعدم الإنجاز يرتبط عندي مع نمط الحياة هذا. إذ تعريفي للإنجاز يكمن في أمور تخص المهنة، لا الأمور التي يجب أن أفعلها كل يوم. وأنا أفكر في حل لهذه المشكلة سألتُ نفسي لماذا لا أحتسب أعمالي اليومية من الإنجازات؟ وكيف أجعل نفسي تقتنع بأنها أنجزت الكثير بالفعل؟ ثم خطرت لي فكرة، إذا لم أفعل هذه الأمور كل يوم، ماذا سيحدث؟ لن أحضر الإفطار، لن أعتني بالبيت، لن أطبخ، لن أنظف، لن أكلف أحدًا بإحضار الأغراض الناقصة، لن أعتني بابنتي الصغيرة، لن أغير لها الحفاظة، ولن أعطيها الحليب، لن أغسل القارورة ولن أغير لها ملابسها ولن أحممها. هنا قلت يا للهول! هذه مشكلة بالفعل. عقلي لم يحتمل هذه الفوضى الافتراضية، فهل يمكن لأحد تحملها على أرض الواقع؟ لا أظن.

في جمعة عائلية قبل أسابيع أبدت قريبتي استياءها من اضطرارها لبدء الدوام في المكتب بعد أن استمر عن بعد في الشهور الماضية، ووجدتني دون تفكير كثير أقول: أصلا من المفترض أن تجلس المرأة في بيتها معززة مكرمة، تربي أولادها وتستقبل ضيوفها من الأهل والأصدقاء، وتمارس هواياتها في الحياكة والرسم والقراءة دون ضغوط الحياة المهنية، ومن الواجب على الرجل الإنفاق عليها وتلبية احتياجاتها المادية بكل سرور. نظر إلي جميع من في الغرفة نظرة صدمة وشك: “تمزحي ولا تتكلمي جد؟” ضحكت وأنا أقول أن هذا هو الصحيح، نعم يجب أن تكون للمرأة اهتماماتها العلمية والفنية والثقافية والمهنية، ولها أن تتبنى آراءها الخاصة في كل الأمور، لكن دون ضغوط أو مطالبة بالعمل للحصول على مقابل مادي لا من نفسها ولا من المجتمع. إذا أرادت أن تعمل؛ فلتعمل، وإذا لم ترد فليس لأحد أن يجبرها أو ينتقص منها تصريحًا أو تلميحًا، فهي ليست مكلفة بذلك، ولا يجب أن تكون، وقيمتها تكمن في ذاتها وليس في المهنة التي تمارسها.

لست أقاوم، لكن النمط الأمريكي في الحياة أصبح يزعجني فعلا. فبعد أن كنت لا أشعر به بدأتُ أراه في كل شيء، من حبي للبرجر، إلى تفضيلي لأنماط الديكور المختلفة، إلى إحساسي المستمر بعدم الإنجاز، إلى بحثي الدائم عن معنى لحياتي، وحتى تتبعي للحالة المزاجية الذي بدأته قبل أيام. وقد تعرفتُ إلى متتبع المزاج من مقالة قرأتها تقول أن تتبع مشاعرك كل يوم في الشهر يجعلك تعرف المحفزات التي تؤثر على حالتك المزاجية، فيمكنك التخطيط للحصول على بعض الوقت للاسترخاء قبل حدوث هذه المحفزات، فتصبح أيامك أقل توترًا. لستُ محللة اقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية، لكنني أرى الآن بوضوح، الرسائل التي تمرر عبر الأفلام والمسلسلات والمقالات لتمجيد طريقة التفكير ونمط الحياة الأمريكي، كما ترون بوضوح مساعي نتفليكس في تمرير فكرة الشذوذ كفكرة طبيعية ومقبولة، وإظهار أصحابها كأفراد محبوبين وصالحين. تعلمنا الكثير من الأمريكيين؛ لكننا لم ولن نستبدل هويتنا بهم؛ ليس الآن، ولا في المستقبل بإذن الله.

الكلمات من أغنية مشكلة في الناس- أبوبكر سالم.

3 رأي حول “بريق منطفئ

اضافة لك

  1. ( فهي ليست مكلفة بذلك، ولا يجب أن تكون، وقيمتها تكمن في ذاتها وليس في المهنة التي تمارسها. )
    ما دمتِ قد وصلتِ إلى هذه النقطة من الإدراك ، فتأكَّدي بأنَّك على الطريق الصحيح يا عزيزتي ، النمط الأمريكي بات شيئًا صارمً يسعى الناس للأخذ به ، ناسين كمُّ الأخطاء فيه ، و متغاضين تمامًا عن بعض النقاط فيه التي تمحو انقسامات حتميَّة لا جدوى من نقاشها فهي غريزة بالفعل .
    احترم التدوينة بالفعل ، أنتِ مدهشة حقًا ، ننتظر جديدك دومًا 💐

    إعجاب

    1. أسعدني أنك أننا نتفق حول هذه النقطة. ممتنة لكلامك الطيب 💞 القلوب عند بعضها، فقد أصبحت أتابع باهتمام تدويناتك. صادقة وقريبة من القلب.

      Liked by 1 person

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑