هل أنا أم؟ 4 أفكار لتغيير الحديث الذاتي السلبي

هل أنا أم؟ يعني هل ينطبق علي ما ينطبق على الأمهات من فضل؟

لقد أصبحتُ أمًا قبل 23عام، فتاة شابة لازلتُ أخطئ، لن أقول كنت طائشة، لكنني لست برزانة الأمهات. أحب اللعب والانطلاق، وأهوى تجربة الأشياء الجديدة. وأعيش كأني فتاة شابة لا تتحمل مسؤولية بيت ولا أطفال. صحيح أنني حازمة مع أطفالي مثلما تعلمتُ من والدتي، أمنعهم من مشاهدة التلفاز لوقت طويل، ويتناولون الشوكولاتة مرة واحدة في اليوم بعد الغداء. ويمكنهم اللعب بالبلاي ستيشن في الإجازات الطويلة فقط؛ صحيح أنني أعتني ببيتي وأقوم بواجباتي بقدر ما أستطيع؛  لكنني لستُ مثل الأمهات الأخريات. إذ لماذا ستكون دعوتي مستجابة وأنا أحمل على عاتقي كل هذه الذنوب؛ وليس معي سوى فروضي التي أؤديها على عجل؟ وعلى أي أساس نستحق الخير في حياتنا؟ على مقدار ما فينا من خير؟ أم على أساس إيماننا وتقوانا؟

في مرة قال لي ابني: متى يا ماما أراكِ تجلسين فوق سجادتك وبيدك المسبحة مثل جدتي؟

فعلا؛ هذه هي صورتي عن الأم التي تستجاب دعوتها. سيدة كبيرة رزينة، تقية، تذكر الله طول الوقت، وتلبس ثيابًا سابغة ساترة، تغطي شعرها بطرحة عريضة، ولا وقت لديها للهو، لا تخرج من البيت إلا للضرورة أو لأداء واجب، ولا تهتم بالموضة ولا تتابع أفلام أجنبية، ولا تتحدث إلا بالنافع المفيد. لكن الله لم يقل ذلك. لم يشترط أن تكوني عجوزًا زاهدة في الدنيا كي تصبحي أمًا مستجابة الدعاء. لماذا أفكر كذلك إذن؟ هل ما أفكر فيه يعتبر من التشوهات المعرفية أو أنماط التفكير الخاطئ التي تؤثر على أفكارنا وسلوكياتنا وخبراتنا بشكل سلبي ويجب علي إدراكها وإعادة هيكلتها؟ أم هو شعور عدم الاستحقاق الذي يجعلني أشعر أنني أقل من أن أستحق هذا الفضل؟

لم أكن أفكر في الأمر، واعتقدتُ أنه شيء طبيعي أن أفكر بهذه الطريقة، لكن الحقيقة أن الله منحنا هذه الحياة لسبب ما، ووهبنا بعض الصفات ويسر لنا بعض الأدوار التي نقوم بها، وخص بعضنا بالفضل لأشياء ليس له يد فيها مثل الجمال وسعة الرزق والعلم والحلم والنسب، لا علاقة للاستحقاقية بالموضوع، يعني كلها من هبات الله وأفضاله، فهل نرفض نعمة الله علينا بسبب شعور غير حقيقي وطريقة تفكير قاصرة ومحدودة؟

حديثنا الذاتي، أو الحوار الداخلي الذي يدور في أذهاننا من تفسيرات وأحكام على أنفسنا وعلى المواقف التي نواجهها، يمكنه جعل الأمور تبدو أفضل أو أسوأ. إذ يميل بعض الناس إلى رؤية الأشياء من منظور أكثر إيجابية، ويميل آخرون إلى رؤية الأشياء بشكل أكثر سلبية، مما يؤثر على حياتنا ونظرتنا لأنفسنا. إذن كيف يمكن للمرء أن يغير أنماط التفكير المعتادة هذه؟

قرأت مقالة تحتوي على نصائح لتغيير الحديث الذاتي السلبي، وهذا باختصار ما وجدته مفيدًا في حالتي هذه: (ترجمة بتصرف)

  1. الوعي هو الخطوة الأولى

من الصعب تغيير شيء لا نعرف أنه موجود. مع العديد من التشوهات المعرفية، والقفز إلى الاستنتاجات والحكم على أنفسنا والآخرين، والتفكير العاطفي (مقابل المنطقي)، من الصعب أن ندرك حدوث التشوهات، أو تتبع آثار هذا التفكير المشوه بسلاسة. وكي نكون قادرين بشكل أفضل على التعرف على التشوهات المعرفية علينا الانتباه لحديثنا مع أنفسنا، بمجرد أن نلتقط تكون مشاعر سلبية تجاه أنفسنا هنا سنعرف ما الذي نبحث عنه، عندها سنكون مستعدين لعملية إعادة الهيكلة المعرفية الضرورية لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح.

مع الوقت والممارسة ، سيصبح هذا النوع من إعادة الهيكلة المعرفية عملية طبيعة لتحدي أنماط تفكيرك السلبية، وسيصبح استبدالها بأفكار وآراء أكثر إيجابية أمرًا سهلاً.

2. امسح كلمة “يجب” من قاموسك

كلمة “ينبغي علي فعل كذا، أو يجب أن أكون كذا وأتصرف كذا” تقول لنا أن هناك طريقة صحيحة وطريقة خاطئة للقيام بالأشياء، وتجعلنا نشعر أنه يجب علينا القيام بالأشياء بطريقة معينة؛ بينما توجد هناك طرق أخرى أفضل لنا.  عندما نفكر أنه لا يوجد لدينا خيار آخر أو طريقة أخرى للقيام بالأشياء، يجعلنا ذلك نشعر بضغوط كبيرة. عندما أقول “لا يمكنني التفكير بالاستمتاع والخروج مع صديقاتي لأنني أم ويجب أظل بالبيت لأعتني بأطفالي”، أتجاهل حقيقة أن كلا النشاطين هما اختيارات. لمجرد عدم اختيار أحد الخيارات لا يعني أنه لم يكن موجودًا، بينما في الحقيقة دائمًا توجد خيارات أخرى. إدراك ذلك يساعدنا على تخفيف الضغوط الواقعة علينا: “أود أن ألتقي بصديقاتي، لكني اخترت الجلوس في البيت والعناية بأطفالي بدلاً من ترك مهمة العناية بهم لوالدهم”. عندما تشعر بضغط كلمة “يجب” ابدأ في التساؤل عن “ما يجب عليك فعله” وتأكد من أن كل ما تفعله، تفعله لأنك تريد ذلك وتشعر أنه الطريق الأنسب لك. مع الوقت ستصبح أكثر تلقائية في تعديل التشوهات المعرفية لديك، وستصبح أكثر دراية بتطوير طريقة تفكير أكثر إيجابية، مما يقلل من التوتر في هذه العملية.

3. حلل أفكارك ، وامنح نفسك الفضل

عندما يحدث شيء إيجابي في حياتك، توقف لتحليل عملية تفكيرك للحظة. هل تمنح نفسك الفضل في تحقيق ذلك؟ فكر في كل نقاط القوة التي تمتلكها والطرق التي ساهمت بها، بشكل مباشر وغير مباشر، لتحقيق هذا الشيء. على سبيل المثال، إذا تصرف طفلك بطريقة مرضية لا تفكري أن طبعه هو السبب في تصرفه المهذب فقط، ولكن أضيفي: كذلك أنا ربيته على ذلك. وافخري بنفسك وبتربيتك الصالحة لأطفالك.

4. ركز على الحديث الإيجابي المتفائل

يمكنك إعادة برمجة حديثك الداخلي وطريقة تفكيرك باستخدام التوكيدات الإيجابية على أساس منتظم. بذلك يصبح التفكير الإيجابي أكثر تلقائية.  الحياة أسهل وأكثر إمتاعًا بشكل عام إذا كنت متفائلًا. تظهر الأبحاث أن المتفائلين يتمتعون بالعديد من الفوائد الصحية ونمط حياة أفضل، بما في ذلك إنتاجية أعلى، وصحة أفضل، والسعي نحو تحقيق الأهداف، وعمر أطول، وانخفاض نسبة التعرض للإجهاد. لذا يميل المتفائلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة من غيرهم.

كما أن الاحتفاظ بسجل يومي للأشياء التي تشعر بالامتنان لها – مفيد للغاية لأنه لا يجعلك ترى فقط قائمة النعم التي تتمتع بها، ولكنه يدرب عقلك على ملاحظة هذه النعم طوال اليوم.

نصائح للتفاؤل يجب تذكرها:

  • مفتاح التفاؤل هو تعظيم نجاحاتك وتقليل إخفاقاتك.
  • من المفيد أن تنظر بصدق إلى أوجه القصور لديك، حتى تتمكن من العمل عليها وتحسينها، لكن التركيز على نقاط قوتك لن يضر أبدًا.
  • ضع في اعتبارك أنه كلما مارست تحدي أنماط تفكيرك، كلما أصبحت أكثر تلقائية. لا تتوقع تغييرات كبيرة في التفكير على الفور، ولكن توقع أن تصبح متأصلة فيك بمرور الوقت.
  • تذكر دائمًا أن أي فشل تقريبًا يمكن أن يكون تجربة تعليمية وخطوة مهمة نحو نجاحك التالي!
  • مارس التوكيدات الإيجابية. فنتائجها عظيمة.

إذن على أي أساس نستحق الخير في حياتنا؟ على مقدار ما فينا من خير؟ أم على أساس إيماننا وتقوانا؟

أحيانًا نفكر أن فلانًا لديه من الصفات السيئة كذا وكذا، وفلان فيه كذا وكذا، نحكم على الآخرين ونتعجب من الخير الذي يصيب بعضهم،في تفسير الآية: “قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين” قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: ظَنَّ الْخَبِيثُ أَنَّ النَّارَ خَيْرٌ مِنَ الطِّينِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْفَضْلَ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ له الفضل، وقد فضل الطين على النار.

لقد تكفل الله بالرزق لجميع العباد، صحيح أنه قرنه بالسعي والاجتهاد لتحصيله؛ لكن رزقك سيأتيك، ولن يستطيع أحد غيرك أخذه مهما حاول أو اجتهد. للكافر والعاصي والفاسق والمؤمن، للحيوانات والنباتات والطيور والحشرات، رزقها مكفول من رب العالمين، لكن مقدار هذا الرزق ونوعه وحده تعالى من يقدره، لحكمة وحده من يعلمها. قال تعالى: “والله فضل بعضكم على بعض في الرزق”. وفي تفسيرها قال الشوكاني: “فجعلكم متفاوتين فيه-أي الرزق- فوسع على بعض عباده حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفًا مؤلفة من بني آدم، وضيَّقه على بعض عباده حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم. وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها؛ وكما جعل التفاوت بين عباده في المال، جعله بينهم في العقل والعلم والفهم، وقوة البدن وضعفه، والحسن والقبح، والصحة والسقم، وغير ذلك من الأحوال.” إذن ليس ذلك نتيجة لما أنت عليه من حال، وإنما أنت كذلك لأن الله أراد أن تكون كذلك، أنت لا تحب أن تكون جاحدًا ناكرًا فضل الله عليك؛ لذا تقبل ما آتاك الله من فضل، واحمد الله عليه، وقم بحقه فيه.

هنا سأعيد السؤال مرة أخرى:

هل أنا أم؟ يعني هل ينطبق علي ما ينطبق على الأمهات من فضل؟

سأحلل أفكاري وسأمنح نفسي الفضل. فأنا أم، لا يوجد هناك كتيب مواصفات للأمهات، فكل من أنجبت هي أم، بل وتوجد أمهات لم تنجبن، ألا يقولون الأم من تربي وليست من تنجب؟ فضل الأمهات المذكور في الحديث والسنة علينا أخذه كاملا، لا أن نقول لنا حق الطاعة، ونفضل الأب في حسن الصحبة، لكن ليس لنا فضل استجابة الدعوة. نقبل كرم الله كاملاً، شاكرين حامدين، أما أخطائي الشخصية وذنوبي فليس لها علاقة بكوني أم. بل هو شيء بيني وبين ربي أرجو أن يغفرها لي ويتجاوز عني.

رأي واحد حول “هل أنا أم؟ 4 أفكار لتغيير الحديث الذاتي السلبي

اضافة لك

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑