يمشي كدا كدا

منذ الأزل وناديي الأهلي والاتحاد يتنافسان منافسة شديدة في مباريات كرة القدم خاصة، ويشتهر نادي الاتحاد بأغاني رابطة مشجعيه التي تنتشر مثل النار في الهشيم. أذكر عندما كنت في المرحلة المتوسطة كان لدي شريط كاسيت فيه مجموعة من الأغاني الشهيرة لهم. من ضمنها كانت أغنية الساحل الغربي تمايل. ثم ظهرت أووه يا إتي يا موج البحر، ثم أتت بعدها أغنية ياكلك حبة حبة، ياكلك أكل البرشومي، وآخر أغانيه الضاربة كانت أغنية : “يمشي كدا كدا”، أراني إياها ابني الأكبر عندما انتشر فيديو لأحد مشجعي النادي وهو شخص تجاوز الخمسين بلا شك، يغني الأغنية ويمشي كدا كدا بطريقة طريفة ومضحكة في أماكن مختلفة من مدينة جدة. الحقيقة أنها كلمات عجيبة وجذابة، إذ من هو الذي يمشي كدا كدا؟ هل هو فريق الإتحاد بأكمله؟ أم يقصد به أحد أبطاله؟ ولماذا؟ وكيف تكون مشية كدا كدا؟ من المؤكد أن لها قصة أود لو أعرفها. ثم كانت لقطة ذكية من منظمي موسم جدة عندما تم تشغيل الأغنية وتدريب الراقصين عليها على طريقة فلاش موب. انتشرت فيديوهات الاستعراض على تيك توك، وجذبت الأنظار مرة أخرى لإبداعات رابطة مشجعي النادي الأوفياء الرهيبين.

ما في خبز

استيقظت بالأمس على أقل من مهلي كعادتي منذ أشهر. أعطيت ابنتي حليب الصباح ثم تذكرت أنه لا يوجد خبز في البيت.كان الخبز الساخن الذي نشتريه من المخبز وقت الإفطار من الأمور المقدسة، لا نشتري خبز الليل، بل يجب أن نحصل على الخبز الطازج في وقته. كان هناك 3 أفراد مستعدين لهذه المهمة فور استيقاظ أهل البيت. ثم لم يبق أحد منهم.

صرنا نحاول شراء الخبز في أي وقت يكون فيه أحد الأفراد المتبقيين قادمًا إلى البيت، فالمهم أن يكون لدينا خبز نأكله. نشتري 4 أقراص خبز صامولي بنصف ريال. تكفينا ليوم أو اثنين. وهكذا.

المهم أنني عندما تذكرت عدم وجود خبز طازج في البيت، فتحت تطبيق التوصيل وبحثت عن مطعمي المفضل، وطلبت صحن حمص ب10 ريال، وساندويتش طعمية مع حمص بـ 6 ريالات من مطاعم نجف. وكانت قيمة التوصيل 15 ريال! (ذكرت الأرقام للتاريخ).

هذه الأيام تشكلت عندي عادة سيئة وهي مشاهدة حلقة من مسلسل أثناء تناولي الطعام، كما أنني علمتها لابنتي الصغيرة، وهكذا أصبحنا نأكل وأمام كل منا شاشة تشاهد فيها برنامجها المفضل. بدأ الأمر بمشاهدة مسلسل دفعة القاهرة، ثم جيلمورز جيرلز، وأحيانًا أشاهد مقاطع من اليوتيوب. اليوم فكرت أنني أريد أن أشاهد فلوق لسيدة عربية توثق أحداث يومها البسيط بفيديو بدون كلام، رأيت سيدة كورية تفعل ذلك ولكنها تتحدث بطريقة مريحة وهادئة ليس عبر الصوت وإنما بكتابة ما تود قوله أسفل الشاشة. فيديو هادئ ومريح لسيدة تصنع إفطارها وتتناوله على مهل، ثم تغسل الأطباق وتحضر الغداء وتنظف البيت حتى يأتي أفراد عائلتها من أعمالهم ليتناولوا الغداء أو العشاء معًا دون أن تظهر صورتها أو صورة أحد من العائلة. بالمختصر أريد محتوى مثل تدويناتي ولكن على شكل فيديو.

في مديح البطء

لاحظت أيضا ميلي للبطء، أنا التي أقدر الحيوية والنشاط، لا أحب تراكم المهام والواجبات، وأقوم بما يجب علي فعله في أسرع وقت ممكن، فما الفائدة من تأجيل الأشياء إذا كنت سأفعلها عاجلاً أم آجلًا؟ فلأفعلها إذن وأنتهي منها حتى يكون لدي مزيد من الوقت للأمور التي أحبها.  أما ميلي للبطء فهو غريب. إذ أنني لا أحب قراءة الروايات بطيئة الأحداث أو المليئة بالوصف الزائد عن الحاجة، وكذلك الأفلام، أشعر بالملل من الأحداث البطيئة، أما الآن فيبدو أنني أستمتع بالبطء، إذ قرأت لأول مرة رواية لهاروكي موراكامي اسمها “ما بعد الظلام” وسأقرأ بقية رواياته التي تحبها ابنتي وكنت لا أستسيغها قبلاً. كما أنني أكملت مسلسل فيرجن ريفر وأتطلع لمسلسل آخر على نفس الوتيرة. وبالأمس شاهدت فيلمًا اسمه ” عطلة في البراري” ( Holiday in The Wild) وأستغرب أنني لم أشعر بالملل، بل قضيت في مشاهدته وقتًا لطيفًا.

تحب ابنتي الكبرى أخذ وقتها على الإفطار. إذ تتناوله ببطء، وتستغرق ساعة بعده لشرب الشاي العدني “على الرايق” قبل أن تقوم بغسل الأطباق وبدء مهام اليوم. أعتقد أن محبي البطء لديهم فضيلة الصبر على الأشياء. قبل مدة شاهدت جهود أروى العمراني في متابعة العمال الذين كلفتهم بتنفيذ ديكورات غرفة العمل الخاصة بها. أحب الديكور وأتحمس لرؤية الأماكن قبل وبعد، وأحب أن أعمل في هذا المجال يوما ما. لكنني لا أطيق الصبر على متابعة الخطوات الدقيقة للعمل اليدوي. بل أحب أن أرسم وأخطط ثم أرى النتيجة منفذة بدقة على أرض الواقع. وهذه الفكرة ذكرتني بصاحب مطعم عمل لديه قريبي، إذ كان لا يذهب للمكان أبدا، بل يظل طوال اليوم على الكاميرات يراقب العمل من منزله، مثل خالتي قماشة بالضبط. فكرة حسنة والله. 😂

الغريب في الأمر أنني وجدت نمط حياة اسمه نمط الحياة البطيئة، وكان مما وجدت هذه التعريفات:

ويكيبيديا:

“نمط الحياة البطيئة تركز على فكرة أن طريقة الحياة سريعة الخطى فوضوية، في حين أن الوتيرة الأبطأ تشجع على الاستمتاع بالحياة، والشعور بتقدير أعمق للتجارب الحسية، والقدرة على العيش في اللحظة الحالية. ومع ذلك، فإن الحياة البطيئة لا تمنع اعتماد تقنيات معينة مثل الهواتف المحمولة والإنترنت والوصول إلى السلع والخدمات.”

موقع  slowlivingldn :

 “الحياة البطيئة هي عقلية يمكنك من خلالها تنسيق أسلوب حياة أكثر وضوحا ووعيًا يتماشى مع أكثر ما تقدره في الحياة. يعني القيام بكل شيء بالسرعة المناسبة. بدلاً من السعي للقيام بالأشياء بشكل أسرع، تركز الحركة البطيئة على القيام بالأشياء بشكل أفضل. في كثير من الأحيان، هذا يعني التباطؤ، والقيام بعمل أقل، وتحديد أولويات قضاء الوقت المناسب في الأشياء التي تهمك أكثر. الحياة البطيئة تعني أن تضع قيمك الحقيقية في صميم نمط حياتك عن قصد، فهي تشجعك على العيش في وعي ذاتي واتخاذ قرارات واعية وهادفة لصالح رفاهيتك ورفاهية كوكب الأرض. العيش البطيء ينكر أن كونك مشغولاً يعني أن تكون ناجحًا أو مهمًا. فالمهم أن تكون حاضرًا في الوقت الحالي، إن تبني عقلية أبطأ يعني إيقاف تشغيل الطيار الآلي وإفساح المجال للتفكير والوعي الذاتي. مما يعني العيش بشكل أفضل وليس أسرع.”

قبل فترة سمعت عن كتاب “في مديح البطء” لكنني لم أهتم به، فأنا لا أحب البطء، لكنني الآن مستعدة للتفاهم حول الأمر. في قناة أخضر على اليوتيوب، تلخيص سريع للكتاب.

أحلام يقظة

يقال أنه عندما لا يضطر عقلك إلى السير في مسار ضيق ومحدود، فإنه يعيد تنظيم جميع الحكايات والمعلومات ويشكل روابط جديدة وغير متوقعة. يعني أن تشتيت الانتباه والسماح لعقلك بالشرود هو أمر إيجابي بقوة. لا أعتبر أن لدي خيال واسع، لكنني أحب أن أفكر بأمور مغايرة للواقع، التفكير بـ “ماذا لو؟” مفيد أحيانًا. أثبتت إحدى الدراسات التي كان لدى طلاب الجامعات فيها دقيقتان للتوصل إلى أكبر عدد ممكن من الاستخدامات للأشياء اليومية (مثل فرشاة الأسنان والطوب). أولئك الذين حلموا أحلام يقظة أولاً، بدلاً من استمرارهم في التركيز على المشكلة، كان أداؤهم أفضل في توليد المزيد من الأفكار الإبداعية بنسبة 41٪ مقارنة بغيرهم. قد تكون أحلام اليقظة محبطة إذا كانت حول أمور خارقة، لكنها مفيدة إذا كانت تتعلق بأهداف واقعية، فهي تنشط جوانب مختلفة من الدماغ قد تكون نائمة أو ساكنة لفترة طويلة، فتساعد في حل المشكلات أو توليد أفكار وإبداعات عظيمة. طيب لكن ما علاقة أحلام اليقظة بالبطء؟ البطء والكسل والسكون والملل كلها تشجع على أحلام اليقظة، التي تقوم بتحفيز جوانب وروابط مهمة من أدمغتنا فتدفعنا للإبداع والابتكار وإيجاد الحلول للتحديات التي نواجهها في حياتنا.

أدرك أن عاداتي السيئة في ازدياد، لكني أتسامح مع نفسي فيها. والآن بعد البحث بدأت أفكر أن هذه العادات ربما هي طريقة للتكيف، لجأ إليها عقلي وتصرف على أساسها، وسواء اتبعت طريقة ياكلك حبة حبة، أو يمشي كدا كدا، فإن الأمور لابد أن تعود إلى نصابها يومًا ما، هي فترة وحتعدي. وكل شي في وقته حلو.

مصادر:

https://en.wikipedia.org/wiki/Slow_living

رأي واحد حول “يمشي كدا كدا

اضافة لك

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑