بدون تخطيط

تواعدنا على اللقاء، والتقينا.

في مقهى حديث نوعًا ما، ديكوره جميل ومريح، والإضاءة ممتازة. طلبنا الحلا والمشروبات وجلسنا نتحادث.

“ولا شيء فكرت أو حلمت فيه أو خططت له في حياتي صار!” هكذا قلت.

هي فقط خيارات تقدم لك وإما أن تأخذها أو لا تأخذها. ليس لك فضل فيها. والخيارات التي تقدم لك هي بحسب ظروفك، لا تتجاوزها كثيرًا. لست استثناء، ومهما فعلت لن تحصل إلا على ما يحصل عليه أقرانك من هم في نفس ظروفك الاقتصادية والاجتماعية. أما الأهداف التي تتحقق، فهي تكون متاحة غالبًا لصاحبها، لكن عليه القيام بخطوات قبلها، بسيطة كانت أم صعبة، أما إن لم تكن متاحة من الأساس فلن تستطيع تحقيق شيء منها.

تتبع كل منا رحلتها في الحياة، ونجد بإثباتات قاطعة أن اختياراتنا فيها ليست صدفة، وليست من صنع أنفسنا، بل قدمت لنا على شكل فرص أو اقتراحات أو عروض، ونحن إما قبلنا أو رفضنا، ومنها تشكلت حياتنا كما هي اليوم.

تحدثنا عن أمور كثيرة، وطلبت من صديقتي الخبيرة في المكياج أن تشرح لي طريقتها في (مكيجة) نفسها. أسأل بالتفصيل، وتجيبني بأمانة، ثم عرضت علي أن تذهب معي لشراء الأدوات التي تنقصني إذا رغبت. شكرتها وأنا أضع الفكرة في رأسي وأود أن تتهيأ لي الفرصة لأنفذها يوما ما.

عدت إلى بيتي راضية. ثم استيقظت في اليوم التالي وأنا أنوي المكوث في البيت. ثم فكرت أنها لم تخرج إلى أي مكان هذا الأسبوع، وقررت أن أخرج لشراء بعض الدفاتر من متجر صيني في المول القريب وأصطحبها معي. سألت ابنتي الكبرى إن كانت تريد الذهاب فرفضت قائلة أنها لا تحب مشوار المول. فتجهزت وجهزت الصغيرة التي سعدت بالمشوار المفاجئ، أجلستها في كرسي السيارة، وانطلقت للمول. بصعوبة وجدت موقفًا للسيارة بالقرب من البوابة. ثم صعدت بالمصعد إلى الدور الثاني مباشرة، ودخلت المحل، لم أجد الدفاتر التي اشتريتها المرة الماضية، لكني وجدت تشكيلة أخرى، وأعجبت ابنتي بمبراة على شكل سمكة قرش (بيبي شارك) لونها أبيض وأزرق، وظلت ممسكة بها طوال الوقت، فاشتريتها مع نظارة شمسية وسيارة حمراء تتحرك بالقصور الذاتي (غير متأكدة من دقة المسمى إذ أنك تسحبها للخلف مع الضغط عليها ثم تتركها فتنطلق بسرعة). أحب هذا النوع من السيارات، فقد كنت ألعب بها في صغري ولا زلت أستمتع بذلك، سعرها رخيص ولا تتطلب بطاريات ومشاكلها قليلة مقارنة بالسيارات التي تعمل بالريموت كنترول.

أخذت الأغراض واتصلت بابنتي أخبرها أنني سأمر عليها لنذهب لبيت والدي. فأجابت أنها مستعدة. سعدت والدتي بزيارتنا المفاجئة، حكيت لها عن البراية التي أعجبت زينة، فقالت لي احتفظي بها إلى أن تدخل المدرسة لتستخدمها. ضحكنا كلنا فذكرت أختي قصة أخي الذي حصل على هدية تفوقه في الصف السادس، وكانت مجموعة كاسات جميلة. فتعجب أخي منها وقال ماذا سأفعل بهذه الكاسات، فقالت له أمي سأخبئها لك إلى وقت زواجك، ضحكنا على الفكرة لكن العجيب أنها نفذت وعدها وعند زواجه أخرجت له الكاسات ليأخذها معه لبيت الزوجية!

أثناء عودتنا مساءًا توقفنا عند إشارة مرور، حيث رأت ابنتي عقود الفل بيد بائع جوال، فأشارت له وسألته عن سعر العقد، فقال 10 ريال، قالت 5، قال لها أنها اشتراه بخمسة، فقلت له سنأخذ عقدين ب10، ضحكت ابنتي متعجبة من طريقتي في المفاصلة على السعر، لكنه قال سأعطيكم عقدين ب15 ريال. قلنا تم، لبست كل واحدة منا عقدًا وتحركنا مع الإشارة الخضراء ونحن نشعر بالانتعاش من رائحة الفل. حتى ابنتي الصغرى سعدت بفلة صغيرة بيدها تشمها وتطلق آهة استحسان بين الحين والآخر.

عقد الفل

وصلت البيت وجارتي في نفس الوقت، كانت عائدة من مشوار ما مع عائلتها، سألتني عن الأولاد فأخبرتها أنهم بخير، وتبادلنا بعض المجاملات اللطيفة فخلعت عقد الفل وألبستها إياه، يبدو أنها تفاجأت لكنها قبلته شاكرة بعد أن قلت لها أن لدي عقدًا آخر، وأن رائحته جميلة. تقول أختي أن الكريم هو من يقبل العطية من غيره، أما البخيل فيثقل عليه ذلك. لأنه يستثقل ردها، أما الكريم فيعطي بدون حساب.

رأيته في منامي اليوم مبتسمًا، إذ كان يحب جيراني، ويبدو أنه سعد بهديتي البسيطة لهم. كانت عطلتي حافلة بأشياء جميلة أتت بدون تخطيط.

9 رأي حول “بدون تخطيط

اضافة لك

  1. “أسأل بالتفصيل و تجيبني بأمانه” أشعر احيانا بصوت داخلي يخبرني ان كانت الأجابة التي حصلت عليها صادقة ام عكس ذلك .. كلمتك هذه كانت بمثابة تأكيد ان داخلنا لا يخطئ بالرغم من عفوية الموقف و السوائل .

    إعجاب

  2. “ولا شيء فكرت أو حلمت فيه أو خططت له في حياتي صار!” صحيح والله فيه جوانب كثيره ما تحققت بس أنا مؤمنه إن فيه جانب خير خفي علينا ما نعرفه 😔

    Liked by 1 person

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑