أفضل مقهى في جدة

استيقظتُ صباح السبت بمزاجٍ معتدل، ثم تذكرتُ شيئًا أزعجني، فقررتُ أن أتجاهله وأسمع أغنية لفيروز تعرفتُ عليها قريبًا. فتحتُ ساوندكلاود، أجريت البحث حول الأغنية فظهرت قائمة طويلة، شغلتُ أولها وأخذت الأغنية تعاد مرة بعد أخرى:

حبيت ما حبيت ما شاورت حالي بيدق باب البيت مية مرة قبالي

وبحس إني بروح أو ما بروح عدت بقيت رايحة جاية بالبيت طاوشني خلخالي

وذلك بينما أنا رايحة جاية في المطبخ أجهزُ طعام الإفطار مع الشاي العدني المحوّج بخليط طيب الرائحة من الهيل والقرنفل وجوزة الطيب، وأقشر البرتقال لطفلتي الصغيرة. تأخر زوجي في إحضار الخبز بحجة غير مقبولة، فغضبتُ منه لكنني تذكرتُ قصة أخرى أغضبتي بالأمس فقررتُ سردها عليه، وفوجئت أن غضبي تجاهه قد اختفى وتوجه لحادثة الأمس، فقلت هاأنذا قد تعلمتُ حيلة جديدة من حيل الحياة الخفية.

بعد الظهر أخذتُ أقرأ مقالة كتبتها أم لطفلة بعمر 7 أشهر، تحكي محاولاتها في اقتطاع وقت لنفسها بعيدًا عن مسؤولياتها اليومية التي استنزفتها. أستعير منها بتصرف: “اليوم أعددتُ نفسي للاستمتاع بساعة واحدة، ساعة لشراء أشياء لا قيمة لها، لن أشتري حفاضات أو مناديل مبللة، سأشتري مناكير حتى لو لم أستخدمها، سأشتري خواتم وإكسسوارات لن تصلح وأنا أحمل طفلي وسأضطر لخلعها عدة مرات، لكنني أعرف أنني أم جيدة وأستحق. كما أستحق وقتًا أستمتع فيه لوحدي، للشمس والهواء وحدي، لن أفكر في الأشياء السيئة من حولي، لن أفكر في فنجان الشوكولاتة السيء، أو خدمة عمال النادي السيئة، سأفكر فقط في روحي.”

تمددتُ بجوار ابنتي ونامت بينما كنت أشاهد حلقة من “مسلسل نمرة 2”. أنهيتُها وقررتُ الخروج مع ابنتي الكبرى لتناول الغداء، وترك مسؤولية الصغرى لوالدها. قبل مدة طويلة أغلق المقهى المفضل لدي والذي يقع في المول القريب من بيتي ليستبدلوه بسينما. لم أعد أذهب للمول لأنني لم أستطع أن أجد مكانًا أرتاح إليه، فمن بين جميع المطاعم والمقاهي الموجودة به، وهي كثيرة، لم أجد مكانًا يلائم روتيني المعتاد. فرغبتُ عن زيارة المول أشهر طويلة، وبالأمس قررتُ الذهاب إليه على أمل أن يكون مقهاي المفضل قد افتتح. وقد كان.

ما الشيء المهم الذي أتطلع إليه عندما أزور مقهى ما؟

  1. الكراسي مريحة.
  2. الأسعار معقولة.
  3. قائمة طعام مناسبة.

بهذا الترتيب أختار مقهاي، الكراسي المريحة تقع في المقدمة لأنني أحب الجلوس لوقت طويل أكتب وأتأمل وأراجع أيامي الماضية، وأخطط للقادم منها. عدا أن الكراسي المريحة تقول شيئًا مهمًا: “أنت مرحبٌ بك لتجلس قدر ما تشاء.”

جلسنا نتصفح قائمة الطعام، طلبنا غداءً خفيفًا والتفتُ لدفتري بينما أخرجت ابنتي كتابها لتقرأ. بعد تناول الغداء طلبت كابتشينو وجلسنا نتحدث، سألتُها هل تعيشين حياة تشبهك؟ قالت دون تردد نعم، غرفتي بها كل الأشياء التي أحبها، ووجهي يشبهني، وأفعل ما أحب دومًا. ثم سألتني: وأنت؟ قلت: يقولون معنى أن تعيش حياة تشبهك يعني أن أفكارك ومشاعرك وطموحاتك ورغباتك الداخلية تنسجم مع ما أنت عليه في حياتك الواقعية. أحيانًا أشعر أنني في محطة توقف، ترانزيت يعني، أمور وأشياء طرأت على حياتي، ومسؤوليات أضيفت إليها علي تحملها، وعندما أنتهي منها سأكمل رحلتي الخاصة.

أعرف الآن أنني مخطئة، فكل هذه الأمور هي حياتي، هي واقعي وعلي أن أعيشها، ولا أنتظر حتى تنتهي لأعيش. وإلا سأكون مثل عمرو دياب عندما قال ” أنا عايش ومش عايش “.

بعد أذان المغرب قلتُ لها سأذهب لأشتري بعض الأشياء. قالت ماذا ستشترين؟ قلت: جوارب للراشدين. ضحكت وسألتني عن قصدي، قلت سأشتري جوارب للسيدات، فقد كنتُ أشتري الجوارب من قسم الشباب لكن أولادي أصبحوا يلبسونها رغم كل التحذيرات والتهديدات التي أوجهها لهم بدون فائدة، لذا قررتُ أن أشتري جوارب نسائية 100%، عندها لن يمكنهم ارتداؤها مهما حصل. افترقنا واشتريتُ جواربي واشتريتُ معها تيشيرت وقميصًا قطنيًا مريحًا، تنفيذًا لوصية الأم في المقالة التي قرأتُها ظهرًا.

كان هذا هو يوم السبت الذي افتقدناه شهورًا طويلة. بنفس الروتين الذي اعتمدناه وأحببناه، ويعود الفضل لمقهاي المفضل. الذي أعاد تصميم ديكوراته لتصبح الكراسي وثيرة، ووسعوا مساحته لتصبح ضعف مساحته السابقة، ولم يرفعوا أسعارهم إلا زيادة طفيفة متناسبة مع مقدار الضريبة، وإضافة إلى ذلك فقد وضعوا بعض الكتب على أرفف خشبية ظاهرة للعيان، فماذا يمكنهم أن يفعلوا أكثر من ذلك ليقولوا لي أهلاً بك؟

حتى أن الكابتشيو الذي شربته هناك كان أصليًا. فقد تأخرتُ في النوم إلى ما بعد الثانية صباحًا، ونومي بعد ذلك كان أرِقًا متقطعًا. لكنني استيقظتُ اليوم وأنا أقول لنفسي أنني لن أفكر في ليلتي السيئة، إذ يكفي أنني عرفت أن أيامي الجميلة ستعود مثلما كانت وأحلى.

https://youtu.be/b4nsB8h5LqA

رأيان حول “أفضل مقهى في جدة

اضافة لك

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑